آخر الاخبار

shadow

إستقلال القضاء الدستوري ضروة تقتضيها وجود دولة المؤسسات

القاضي جاسم محمد عبود رئيس المحكمة الاتحادية العليا

       تــعـد حقـوق الانسان وحرياته ، من المبادئ الاساسية التي تضمنتها الدساتير ، على أساس أن الشعب مَـصدر السلطات وشرعيتها، يُمارس حَقه فيها ، عبر مؤسساتها الدستورية ، فلا يُمكن قيام نظام سياسي متحضر، الإ بوجود سلطة قضائية قوية ومستقلة ‎،‏ بعدًها ضمانة أساسية لوجود دولة المؤسسات ، وبذلك أصبح القضاء المستقل عقيدة راسخة وإيمان ثابت نَـصَّت عليه الشرائع السماوية قبل أن تدعو إليه المعاهدات والمواثيق الدولية‎،‏ والدساتير والقوانين الوطنية ، فإستقلال القضاء ، اصبح جزءً من الضمير الإنساني ، وأجمعت كافــة القوانيـن الأساسيـة السائدة في عالم اليـوم  ( مواثيق ودساتير وقوانين ) على أن لا تخـضع السلطة القضائية عند أداء مهامها ، إلا لأحكام الدستور والقانـون ، و يُحظـر على كـافة السلطات  ( التشريعية والتنفيذية ) التدخـل في عملها ، ضماناً لمبدأ حِـيَاد القاضي، كنتيجة منطقية لمبدأين مهمين ، هما الفصل بين السلطات ومبدأ المشروعية  .

 إن ما يميز دولة القانون والمؤسسات عن غيرها ، هو وجود جهات قضائية ذات نظام مستقل تتألف من رجال أكفاء يتمتعون بإستقلال مطلق إتجاه السلطة السياسية، مع توافر الضمانات الكافية واللازمة لتأمين خضوع الحكام والمحكومين للأحكام والقرارات التي تصدرها ، فإذا كانت الحقوق والحريات تختلف في مفهومها من دستور لأخر ، حسب أيدلوجية النظام السياسي الذي تنعكس فيه ، إلا إن المتفق عليه في أغلبها ، هو إقرارها ، بتدخل المشرع لتنظيمها  الذي يجب أن يكون في حدود الضوابط المنصوص عليها دستورياً، بلا إساءة أو تجاوز أو انحراف ، ولذا  وُجد القضاء الدستوري لضمان حماية أحكام الدستور وعدم إنتهاكها من قبل بقية السلطات في الدولة ، وليضطلع بتلك المهمة السامية ،ألا وهي مراقبة أدائها ومدى تقيدها بأحكامه ، وإحترامها لحقوق الانسان وحرياته.

    وفي جمهورية العراق فإن ممارسة تلك المهام من إختصاص المحكمة الاتحادية العليا بـِعـَدِّها هيأة قضائية مستقلة وفقاً لما جاء في المادة (92/اولاً) من دستور جمهورية العراق لعام 2005  ‏التي نصت على إنه ( المحكمة الاتحادية العليا هيأة قضائية مستقلة مالياً وادارياً ) ، وتتولى (مهمة الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة كما تتولى تفسير نصوص الدستور) ، إستناداً لأحكام البندين ( اولاً وثانياً) من المادة (93) منه ، إضافة الى ما تقدم ،  فلها دور كبير في الحد من تجاوز السلطتين التشريعية والتنفيذية لصلاحياتها الدستورية وفقاً لما جاء في البند (ثالثاً) من المادة (93) منه، الذي نص على إنه (تختص المحكمة الاتحادية العليا بالفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة الاتحادية العليا ) ، ولذا فإن كل ما يصدر من السلطتين التشريعية والتنفيذية بوصفهما المذكور يكون خاضعاً لرقابة المحكمة الاتحادية العليا، ذلك إن الديمقراطية تبقى مجرد عنواناً لا قيمة له  إذا لم تترجم من خلالها حقوق وحريات الشعب ، وتبقى تلك الحقوق والحريات مجرد نصوص دستورية لا قيمة لها ، إذا لم يوجد قضاء دستوري مستقل بعيداً عن تدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية ، من خلال إرساء دعائم ومقومات وضمانات ذلك الاستقلال دستوريا وبموجب القوانين النافذة ، وقيادته من الأكفاء أصحاب الفكر النَيـّر والبصيرة الثاقبة والخبرة العلمية والعملية عالية المستوى، فإستقلال السلطة القضائية يعني إستقلال القضاء الدستوري  ، ليكون في مَصاف السلطتين التشريعية والتنفيذية في دولة القانون ، دولة المؤسسات .

 

                    القاضي

             جاسم محمد عبود

     رئيس المحكمة الاتحادية العليا

مواضيع ذات صلة