آخر الاخبار

shadow

(30) أيار صدر قراران متناقضان حول مبدأ دستوري واحد في العراق ولبنان!!

أ.د. أمين عاطف صليبا.

   المبدأ الدستوري المجمع عليه من قِبَل القضاء الدستوري والفقه الدستوري حول العالم هو التالي:"عدم جواز تمديد الولاية الأنتخابية كون التمديد يمس بمبدأ دورية الأنتخابات وبحق المواطن في إختيار الأنسب، وهو مبدأ ذو قيمة دستورية، ولو لم ينص الدستور على ذلك صراحة". مما يعني أن هذا المبدأ قد أبتدعه القاضي الدستوري لكي يحد من تسلط السلطة السياسية المُتكِأة على إرادة الشعب من خلال إصدار قوانين التمديد وفق الأصول التشريعية، حيث كانت تلك السلطة تستبيح حق المواطن بالتغيير عن طريق الإنتخابات الدورية، الى أن تصدى القضاء الدستوري لهذا التجاوز الفاضح، بعدما أعتمدت الدول كافة الرقابة على دستورية القوانين، وجاءت قرارات القضاء الدستوري لترسم خطاً واضحاً ومستقراً في كل المجالات التي تتصل بحقوق المواطن، وولّت نظرية القانون يعبر عن الإرادة العامة، ولا يجوز لأي سلطة إجراء رقابة عليه! لكن الاجتهاد الدستوري لم يتنكّر لقاعدة القانون يعبر عن الإرادة العامة، لكن أضاف عليه لازمة تقضي بأن لا يخالف القانون القواعد الدستورية، التي لايحق للبرلمان، وإن كان يُمثّل الشعب، إقرار قوانين من شأنها هتك تلك الحقوق والحريات.

إذن مبدأ دورية الانتخابات أصبح فرضاً على المشترع وعند المخالفة يُبطل القانون، وكما ذكرنا هو مبدأ مُجمع عليه. لكن وفق الفقه الدستوري لا يوجد مبدأ دستوري يتصف بالإطلاقية والشمولية، باستثناء ما يتعلق بالسلامة البدنية للأنسان! لماذا استقرَّ الرأي على عدم الإطلاقية؟ لأنه ما من مبدأ دستوري إلاّ سيصطدم بمبدأ دستوري آخر، على سبيل المثال لا الحصر حرية التعبير التي لا بُدَّ أن تقف أمام وجوب احترام حرية الغير.كما يوجد بعض من تلك المبادىء تتأثر بالواقع السياسي والأمني وحتى الإداري في هذه الدولة أم تلك، ومن هذا المنطلق جاء مبدأ دورية الأنتخاب كمبدأ دستوري يجب على السلطة السياسية عدم خرقه، والتي حصلت في لبنان عدة مرات  قبل وجود المجلس الدستوري، عندما تمَّ التمديد لمجلس النواب المنتخب عام 1972 لأربع مرات،ولإحياء الذاكرة حصل التمديد في ظل المجلس الدستوري سابقاً في عدة مجالات لا داعٍ لتفصيلها الآن.

في 30/5/2023 أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قرارها 233/اتحادية/2022. بالأكثرية الذي قضى بإبطال قانون استمرار الدورة الخامسة لبرلمان كردستان رقم 12لسنة 2022 الصادر عن البرلمان بتاريخ 9/10/2022. لغاية نهاية الفصل التشريعي الخريفي لعام 2023. لأن الدورة الخامسة وفق قانون الانتخاب في الأقليم تنتهي في خريف 2022 وتحديداً  في 6/11/2022.وهذا ما يُعتبر خرقاً لمبدأ دورية الأنتخابات، ولبعض النصوص الواردة في دستور العراق لعام 2005.وقد جاء القرار لِيُبطل كل ما صدر من قوانين عن هذا المجلس خلال فترة التمديد. هنا تساءلت في نفسي لماذا تأخر صدور القرار حوالى ستة أشهر، فكان الجواب من بعض مصادري كباحث في القانون الدستوري، بأن الاتصالات السياسية كانت تعمل على التوفيق بين الطرفين السياسيين في الأقليم، تمهيداً لإجراء إنتخابات جديدة، لكن على ما يبدو لم تنجح تلك الاتصالات، حيث انفجر الخلاف داخل مجلس نواب اقليم كردستان، وتناقلت شاشات التلفزة والتواصل الإجتماعي ما حصل في آخر جلسة قبل صدور قرار الإبطال، وتلك المشاهد تؤكد على عمق الأزمة وصعوبة التوصل الى حل! وبسؤالي عن تعرض الاستقرار التشريعي للأهتزاز وعدم الثبات بسبب قرار الإبطال، كونها مسألة لا يمكن للقاضي الدستوري أن يتجاوزها، كان الجواب أن البرلمان لم يصدر أي قوانين ذات تأثير في مرحلة التمديد وذلك بسبب الأنقسام الحاد بين الحزبين الرئيسيين في الأقليم.لهذه الأسباب قرّرت المحكمة الاتحادية إبطال قانون الاستمرار (أي التمديد) لخرقه مبدأ دورية الانتخابات التشريعية، حيث لم يكن هناك من أسباب تحول دون إجراء تلك الانتخابات! وذلك عملاً بإجتهادها المستقر في هذا المجال، وهو قرار متكامل، وفي موقعه الإجتهادي الصحيح، وإن جاء في حوالى عشرين صفحة حيث كان بالإمكان اختصاره إلى النصف!!

وفي ذات اليوم أصدر المجلس اللبناني قراره رقم  6/2023   المتعلق برد الطعن بالقانون رقم  310 تاريخ  19/4/2022الذي قضى بتمديد ولاية المجالس البلدية والهيئات الإختيارية لغاية 24/5/2024. وقد أسس الطاعنون من النواب طعنهم سنداً لخرق القانون مبدأ دورية الانتخابات ذو القيمة الدستورية، ونصوص دستورية أخرى، وصدر القرار بالأكثرية من قِبَل سبعة أعضاء ومخالفة ثلاثة منهم! إن التدقيق في هذا القرار الذي عاب عليه الكثيرون بأنه كان من الأجدى إبطال قانون التمديد، وتعرض لإنتقادات قوية من قِبَل فئة كانت تريد أن يُبطِل المجلس الدستوري هذا القانون، لكن التعليل الذي استند عليه القرار برد الإبطال، كان في موقعه الصحيح لأن إبطال القانون سينتج عنه تعطيلاً في إستمرار المرفق العام الإختياري بالدرجة الأولى، وإلى عرقلة محدودة في استمرار خدمات المرفق البلدي – الذي كان سيدار من قِبَل السلطة المركزية "محافظ وقائمقام" - لأنه وفق القانون كان هذان المرفقان سيتعطلان حكماً بدءاً من تاريخ 1/6/2023. بأنتظار الدعوة الى إجراء الانتخابات وفق المهل القانونية، أي لأشهر عديدة – بغض النظر عن عدم القدرة على تأمين الجهوزية اللوجستية لتنفيذها وعدم دقة تصريحات الجهات المسؤولة في ظل اضراب القطاع العام المستمر منذ أكثر من سبعة أشهر – لذلك جاءت المفاضلة بين مبدأين دستوريين في موقعها الصحيح، لأنه بنظرنا المتواضع مبدأ استمرارية المرفق العام أولى بالتفضيل عن مبدأ دورية الانتخابات في ظل الظروف التي يعانيها لبنان وشعبه، ونقول لو أبطل المجلس الدستوري القانون، لكان سيتحمل وزرَ معاناة اللبنانيين بتعطيل مرفق الهيئات الإختيارية.

بهذا القدر أُلخَّص موقفي من هذا القرار واضيف بأن المجلس الدستوري قد أخطأ في عدم إقرار قاعدة تفسيرية للقوانين التي تُعرض عليه، وفق ما هو مُطبّق من قِبَل الاجتهاد الدستوري حول العالم، والتي تقتضي بإضفاء "المطابقة الدستورية على النص بشرط"، وهذا ما يُعرف بقاعدة ( Conforme sous condition) بحيث كان يمكنه أن يستند على تلك الآلية التفسيرية، لمزيد من تدعيم قراره بالرد، من أن القانون مطابق بشرط أن تقوم السلطة التنفيذية بإجراء الإنتخابات قبل شهر تشرين الأول، أو تشرين الثاني 2023 ، وبذلك يكون قد زاوج بين حرصه على عدم التمديد وفق إرادة المشرع وخرق مبدأ دورية الانتخاب – حتى ولو كان جزئياً ولأسباب تقنية – ومسألة استمرارية المرفق العام، لأن القاضي الدستوري عندما يرى ضرورة تجاوز مبدأ دستوري، فهو يقوم بذلك وفق الشروط التي يراها مُقنعة لقبول التجاوز استثنائياً، وقد ضيّعَ المجلس الدستوري اللبناني مرة أخرى فرصة تثبيت هذا التفسير الذي يحفظ ديمومة المبدأ الدستوري العام.

اختم لأقول قد تعارضني بعض الآراء، لكن ومن أجل التصويب مستقبلاً أتمنى من المعارضين العودة إلى أمهات كتب الفقه الدستوري الأوروبي وتحديداً الفرنسية منها، للوقوف على أساليب اجتهاد القضاء الدستوري لجهة المفاضلة بين مبدأين دستوريين وطريقة تفسيره للقانون بشكل مشروط، وبعد ذلك نتناقش حول صحة القرار من عدمه، والدليل أنني ايدت قرار المحكمة الإتحادية العليا في العراق، في إبطال قانون التمديد لمجلس نواب كردستان، كونه لم يكن لديهم ذات الواقع كما هو في لبنان، لجهة تداعيات الإبطال على استمرارية المرفق العام، وصعوبات إجراء الانتخابات في ظل دولة سلطتها هشة غير قادرة على تأمين سير المرافق العامة الادارية في البلاد بسبب الاضراب، وعدم القدرة اللوجستية، كون التصريح بالقدرة على اجراء الانتخابات شيء وتنفيذها شيء آخر.

مواضيع ذات صلة