آخر الاخبار

shadow

سلطة القضاء الإداري في العراق

المحامي علي صابر الرويمي

المقدمة

جاء الدستور العراقي الدائم لعام 2005 النافذ في المادة (100) منه بما يلي: (يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من الطعن).

وأُكّد على ذلك المبدأ من خلال إصدار قانون إلغاء النصوص القانونية التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوى رقم 17 لسنة 2005 النافذ  والمعدل بالقانون المرقم (3) لسنة 2015 ، والذي الغى النصوص القانونية التي تمنع من الطعن بالقرارات والاعمال والاوامر الإدارية أمام القضاء حيث كانت هناك الكثير من قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل في ظل النظام الدكتاتوري البائد تنص على منع القضاء من النظر في الطعون المقدمة ضد الأوامر والقرارات الإدارية ، وكذلك كانت هناك بعض القوانين تمنع في بعض نصوصها من ذلك كما في قانون وزارة التعليم العالي رقم (40) لسنة 1988 المعدل ، وقانون وزارة التربية رقم (22) لسنة 2011 ، ولكن بعد سقوط النظام ومجيء النظام الديمقراطي الجديد وفي ظل الدستور القائم والنظام القانوني الجديد تم الغاء تلك القرارات والقوانين المانعة لكونها تقيّد وتمنع الافراد من التقاضي من أجل حقوقهم التي قد يشعرون بالظلم منها وكذلك للمصلحة العامة وتحقيق الرقابة القضائية من خلال بيان الأخطاء التي قد تكون الإدارة قد وقعت فيها فيعتبر اللجوء الى القضاء طريق سليم وصحيح من أجل التقويم والتصحيح شرط أن تكون تلك الطعون والاعتراضات في محلها ومنتجة لا مجرد اعتراضات لا حاجة وضرورة منها . وفيما يلي سنبين التشكيلات القضائية الإدارية في العراق وطرق الطعن أمامها.

التنظيم القضائي الإداري

في ظل النظام الدستوري والقانوني الجديد الذي جاء به النظام الديمقراطي بعد سقوط النظام الدكتاتوري البائد تم تعديل قانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979 وذلك بالتعديل المرقم (17) لسنة 2013، وكذلك التعديل المرقم (71) لسنة 2017، بما يتوافق مع الدستور الدائم النافذ لعام 2005 حيث بيّن هذا القانون المحاكم الإدارية وطرق الطعن أمامها حيث أصبحت تلك المحاكم تتبع مجلس الدولة وهو يعتبر هيأة مستقلة يتمتع بالشخصية المعنوية يمثلها رئيس المجلس ويختص بوظائف القضاء الإداري والافتاء والصياغة.

  • مع الإشارة ان مجلس الدولة كان يسمى سابقاً (بمجلس شورى الدولة) وكان مرتبطاً بوزارة العدل وأُبدلت تسميته إلى (مجلس الدولة) استناداً للمادة (2) من قانون مجلس الدولة المعدل.

والمحاكم القضائية الإدارية هي كالاتي:

1.المحكمة الإدارية العليا

2.محكمة القضاء الإداري

3.محكمة قضاء الموظفين

حيث تختص (المحكمة الإدارية العليا) واستناداً للمادة الثانية من قانون مجلس الدولة بالطعون المقدمة على القرارات والاحكام الصادرة عن محكمة القضاء الإداري ومحكمة قضاء الموظفين باعتبارها المحكمة العليا وتعتبر قراراتها باتة وملزمة وغير قابلة للطعن حيث أنها تمارس الاختصاصات التي تمارسها محكمة التمييز الاتحادية في القضاء العادي وتتشكل هذه المحكمة من رئيس مجلس الدولة أو من يخوله من المستشارين وعضوية (6) من المستشارين و(4) من المستشارين المساعدين.

وفيما يتعلق باختصاصات (محكمة القضاء الإداري) فإنها واستناداً لنص المادة السابعة من قانون مجلس الدولة تختص بالفصل في صحة الأوامر والقرارات الفردية والتنظيمية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والقطاع العام التي لم يُعيّن القانون مرجعاً للطعن فيها بناءً على طلب من ذي مصلحة معلومة وحالة وممكنة والمصلحة المحتملة تكفي ان كان هناك ما يدعو الى التخوف من إلحاق الضرر بذوي الشأن والعلاقة، وتتشكل محكمة القضاء الإداري برئاسة نائب الرئيس لشؤون القضاء الإداري أو مستشار وعضوين من المستشارين أو المستشارين المساعدين .

أما (محكمة قضاء الموظفين) فإنها واستناداً للمادة السابعة البند تاسعاً منها تختص في النظر في الدعاوى التي يقيمها الموظف على دوائر الدولة والقطاع العام في الحقوق الناشئة عن قانون الخدمة المدنية والقوانين والأنظمة التي تحكم العلاقة بين الموظف والجهة التي يعمل بها وكذلك تختص هذه المحكمة في النظر بالدعاوى التي يقيمها الموظف للطعن بالعقوبات الانضباطية المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991. التي حددت أنواعها بالقانون السالف الذكر وتحديداً المادة الثامنة منه وهي (عقوبة لفت النظر وعقوبة الإنذار وعقوبة قطع الراتب وعقوبة التوبيخ وعقوبة انقاص الراتب وعقوبة تنزيل الدرجة وعقوبة الفصل وعقوبة العزل) وهذه العقوبات لا تفرض اعتباطاً بل أن هناك ضمانات للموظف تكفل الحد من تحكم السلطة الإدارية في توقيع العقوبة ومن بينها (شرعية العقوبة وشخصيتها وعدم رجعيتها ومبدأ وحدة الجزاء) وفي حال عدم استيفاء العقوبة المفروضة لهذه الشروط والضمانات القانونية فإنها تكون معيبة ومصيرها البطلان ،وهناك تفاصيل أخرى تتعلق بذلك لا يسع المجال للتطرق أليها في هذا المقال المتعلق بالكلام عن القضاء الإداري بشكل عام وعدم التعمق بجزيئاته وتفاصيله ، كما وان هناك دعاوى تتعلق بالحقوق الوظيفية الناتجة عن القوانين المنظمة لذلك كقانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل وقانون الخدمة الجامعية رقم (23) لسنة 2008 المعدل وقانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 ، وغيرها من القوانين والأنظمة الأخرى التي تحكم علاقة الموظف بالدائرة التي يعمل بها ومن أمثلة تلك الدعاوى (الرواتب ،المخصصات، الترفيع، منح العلاوات، احتساب الخدمة، قرارات التعيين، الاستقالة، الاستغناء ، النقل)، وغيرها من الدعاوى التي حدد القانون محكمة قضاء الموظفين مرجعاً لها عند الطعن .

مع الإشارة أن محكمة قضاء الموظفين كانت تسمى سابقاً بمجلس الانضباط العام وأُبدلت تسميته استناداً للمادة (9) من قانون مجلس الدولة المعدل.

  • وتجدر الإشارة الى أن المحكمة الإدارية العليا مقرها في العاصمة بغداد، أما محكمتي القضاء الإداري وقضاء الموظفين فنصّ القانون في المادة 7/اولاً على تشكيلها في أربعة مناطق وهي المنطقة الشمالية متمثلة بمدينة الموصل وتشمل محافظات (نينوى وكركوك وصلاح الدين) والجنوبية متمثلة بمحافظة البصرة وتشمل محافظات (ذي قار وميسان والمثنى والبصرة) والفرات الأوسط متمثلة بمحافظة بابل وتشمل (كربلاء المقدسة والنجف الاشرف والديوانية وبابل) ومنطقة الوسط متمثلة بالعاصمة بغداد وتشمل (الانبار وديالى و واسط وبغداد) غير أن هذا التقسيم غير مطبق الى الان فتوجد محكمة القضاء الإداري ومحكمة قضاء الموظفين في بغداد فقط ، أي أن النص مازال غير مطبق مع الأسف .

طرق الطعن أمام المحاكم الإدارية

هناك طرق شكلية محدده للطعن امام القضاء الإداري وضرورة مراعاة مدد الطعن فيها والمنصوص عليها قانونياً فعند الطعن امام (محكمة القضاء الإداري) فيشترط ان يتم التظلم لدى الجهة الإدارية المختصة خلال (30) يوم من تاريخ التبلغ بالقرار أو الامر الاداري أو إعتباره مبلّغاً وعلى هذا الجهة البت في ذلك التظلم وعند انتهاء المدة و عدم البت من قبلها فيحق للمتظلم الطعن امام المحكمة خلال (60) يوماً  من تأريخ رفض التظلم حقيقة او حكماً ويكون قرار المحكمة قابلاً للطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا خلال (30) يوم من تاريخ التبلغ بقرار المحكمة او اعتباره مبلغاً ويكون قرار المحكمة الإدارية العليا باتاً وملزماً غير قابل للطعن.

اما (محكمة قضاء الموظفين) واستناداً لنص المادة 7/البند تاسعاً/الفقرة ب :ـ لا تسمع الدعاوى بعد مضي (30) يوم من تأريخ التبلغ بالقرار الإداري اذا كان داخل العراق و(60) يوم اذا كان خارجه.

وفيما يتعلق بهذه المدة فأنها لم تشترط إقامة تظلم أمام الجهة الإدارية إلا إذا نصت القوانين الأخرى ذات الصلة خلاف ذلك كما في قانون انضباط موظفي الدولة رقم (14) لسنة 1991 وذلك في المادة 15/الفقرة ثانياً باشتراط التظلم أمام الجهة الإدارية المصدرة للعقوبة الانضباطية خلال (30) يوم من تاريخ التبلغ بالقرار الإداري وفي حال الرفض حكماً او حقيقة فبالإمكان الطعن أمام هذه المحكمة خلال (30) يوم ، ويجوز الطعن في قرار المحكمة امام المحكمة الإدارية العليا خلال (30) يوم من تاريخ التبلغ بقرار المحكمة.

وإن تجاوز الشكلية القانونية المنصوص عليها قانوناً وعدم مراعاة مدد الطعن يترتب عليها رد الدعوى شكلياً وعدم نظرها من قِبَل القضاء وذلك لاستقرار المراكز القانونية وعدم زعزعتها، بالتالي فإن القرارات الإدارية غير المطعون بها والقرارات التي مضت عليها مدة الطعن والقرارات التي صدرت عن المحكمة الإدارية العليا كلها تعتبر باتة وملزمة ولا يجوز الطعن بها مرة أخرى.

وفيما يتعلق بالقوانين التي يتبعها القضاء الإداري في إجراءاته فيما لم يرد به نص في قانون مجلس الدولة فأن أحكام قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 وقانون الاثبات رقم (107) لسنة 1979 وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 وقانون الرسوم العدلية رقم (114) لسنة 1981.تسري عليها.

وفي حال حصول تنازع اختصاص بين القضاء الإداري والقضاء المدني فيتم حل التنازع من خلال هيأة تعيين المرجع التي تتشكل من (6) أعضاء 3 يختارهم رئيس محكمة التمييز و3 يختارهم رئيس مجلس الدولة وتجتمع الهيأة برئاسة رئيس محكمة التمييز ويكون قرار الهيأة بالاتفاق أو الأكثرية باتاً وملزماً، واما اذا حصل تنازع بين محاكم القضاء الإداري فإن المحكمة الإدارية العليا هي المختصة بالنظر فيه .

   وبعد هذا التوضيح والبيان العام عن السلطة القضائية الإدارية في العراق فنجد من الضرورة على جميع القانونيين والموظفين والمهتمين بالشأن القانوني والوظيفي أن يكونوا على اطلاع واهتمام بمعرفة القوانين والتعليمات والضوابط الإدارية ذات الصلة ويجدر التنويه الى ضرورة إدخال الموظفين والعاملين في دوائر الدولة في دورات تطويرية ومعرفية في الشؤون القانونية الإدارية الوظيفية لزيادة وتطوير الثقافة والمعرفة القانونية المتعلقة بعملهم لضمان حقوقهم وانصافهم وعدم ضياع استحقاقاتهم المنصوص عليها قانوناً ، وكما نرى من الضروري جداً تفعيل النص القانوني المتعلق بوجود المحاكم الإدارية في أربعة مناطق من العراق وعدم اقتصار تواجدها في العاصمة بغداد حيث أن ذلك يؤدي الى زيادة الدعاوى وتأخر حسمها ، وبالتالي تضعيف الهدف والغاية المبتغاة من الطعن بالأوامر والقرارات الإدارية ، وكذلك يسهم في سهولة لجوء المتضرر الى القضاء لقرب تواجد تلك التشكيلات الإدارية القضائية وسرعة حسم قضاياهم ، كما نجد من الضرورة ان يقوم الموقع الالكتروني لمجلس الدولة بنشر المبادئ والقرارات الصادرة من المحاكم الإدارية بين مدة وأخرى وجعلها متوفرة للمتلقي صاحب الشأن وإمكانية اصدار مجلة قانونية تتولى نشر كل ما يتعلق بالقوانين الإدارية والقرارات القضائية المتعلقة بها ،وكذلك ضرورة إيلاء منهج القضاء الإداري في كليات الحقوق والقانون الأهمية اللازمة والتوسع في إطلاع الطلبة على التركيبة القضائية والمهام المتعلقة بالقضاء الإداري واختلافها عن القضاء العادي المدني لاسيما اذا ما علمنا أن للمحامي الحق في الترافع عن الموكلين في القضايا المقامة امام المحاكم الإدارية وبالتالي ضرورة إلمامه بالإجراءات والتفاصيل ذات العلاقة فضلاً عن التطوير الذاتي للمحامي وكذلك الحقوقي العامل بدوائر الدولة وحتى الموظف بشكل عام  من خلال الاطلاع على القوانين والتعليمات والأنظمة الإدارية ومبادئ الاحكام الصادرة عن محاكم القضاء الإداري، هذا كله يسهم بدرجة كبيرة جداً في إشاعة الوعي والثقافة القضائية والقانونية فإن الهدف المنشود من القضاء هو تحقيق العدل وكفالة حق التقاضي للجميع كما نص على ذلك الدستور العراقي الدائم لعام 2005 في المادة (19) البند ثالثا منها :ـ

((بأن حق التقاضي مصون ومكفول للجميع )) . وهذا مبدأ دستوري في غاية الأهمية .

مواضيع ذات صلة