آخر الاخبار

shadow

أين أصاب القرار (16\اتحادية\اعلام\2015) تاريخ 21\4\2015 وأين لم يُصب.

الاستاذ الدكتور امين عاطف صليبا

    من متابعتي لقرارات المحكمة الاتحادية العليا في العراق، استوقفني القرار رقم 2015/16 المذكور أعلاه، والذي من المفترض إعطاء تلخيص له قبل الدخول بتفاصيل أين أصاب وأين لم يُصب، كونه في المبدأ أصاب في القرار يومها، بنتيجة عدم دستورية تسليم أي مواطن عراقي الى دولة أخرى حتى ولو كانت عربية، لكنه جاء مخالفاً لإتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 والتي دخلت حيز التنفيذ في 1980/1/1. والعراق منضم إلى تلك الاتفاقية.

ملخص القضية هي أن سلطات دولة الإمارات طلبت تسليمها المتهم العراقي (م.أ.أ) كونه صدر حكم غيابي بحقه عن محكمة جنح الشارقة برقم 2009/4266 قضى بحبسه سنة لإعطائه صك دون رصيد، وذلك سنداً للمادة 40/ج من إتفاقية الرياض لعام 1983 للتعاون القضائي وتسليم المجرمين، والمصدقة بموجب القانون رقم 110 لسنة 1983، والتي أوجبت التسليم في حال صدور حكم بالحبس سنة أو بعقوبة أشد. لهذه الأسباب المختصرة طعنت محكمة الجنايات في قصر القضاء في الرصافة /الهيئة الثالثة/ أمام المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية المادة 40/ج من الاتفاقية المذكورة! وقد أصدرت يومها المحكمة قرارها بعدم دستورية المادة 40/ج، كون المادة 21/أولاً من دستور العراق لعام 2005 حظرت تسليم العراقيين،والمادة 4/358 من ق.أ.م.ج. العراقي ايضاً حظرت التسليم.
لقد اصابت يومها المحكمة الاتحادية بقرارها هذا بأن التسليم يمنعه الدستور العراقي بصراحة المادة 21/أولاً، لكنها وقعت ومن غير قصد في خطأ لجهة عدم الصلاحية من جهة، ولمخالفة إتفاقية فيينا لعام 1969 (المادة 46) المتعلقة بإلزامية تنفيذ المعاهدات، على وفق ما يفرضه القانون الدولي، حيث نشرح ذلك وفق التالي:
أولاً: عدم وجود نص قانوني يحسم موقع الاتفاقية قياساً على الدستور والقانون :
الخطأ جاء نتيجة التسبيب الإضافي لجهة القول بأن المادة 4/358 ق.أ.م.ج، لا تُجيز ذلك، حيث نقضت المبدأ القانوني العام أن اللاحق ينسخ السابق، لأن ق.أ.م.ج. صادر عام 1971، والاتفاقية ُصدقت عام 1983، وبالتالي كان من الأجدى عدم الركون الى هذا التسنيد، والاكتفاء بالنص الدستوري اللاحق على إبرام تلك الاتفاقية.
لأن الدستور يبقى هو الفيصل الوحيد في إقرار أي قاعدة قانونية تستوجب التطبيق،خاصة أنه لغاية اليوم قانون عقد المعاهدات رقم 35 لعام 2015، لم يُحدد موقع المعاهدة من نص الدستور ولا من نص القانون الداخلي كي يتمكن القضاء من حسم الموضوع، كما هي الحال مع نص الدستور الحالي ونص المادة 4/348 ق.أ.م.ج. حيث هناك إشارة في المادة 29 من القانون المدني رقم 1951/40،والتي جاءت متعلقة حصراً بالمواد السابقة عليها، بأنها لاتُطبّق إذا وجد نص على خلافها في معاهدة دولية نافذة في العراق، وهذا خطأ تشريعي وقع فيه المُشرِّع العراقي، لجهة عدم تحديد موقع المعاهدة بشكل عام ، ضمن هرمية تسلسل قواعد القانون،كما فعل المُشرِّع اللبناني في هذا المجال في التعديل الأخير لقانون أصول المحاكمات المدنية، جاعلاً من المعاهدة أعلى من القانون، لكنها تحت الدستور.
ثانياً: أ-إن القرار الذي قضى بعدم دستورية المادة 40 من الأتفاقية، قد خرجت المحكمة من خلاله عن إختصاصها الدستوري؛ كون الدستور لم يوليها هذه الصلاحية (الرقابة على دستوريةالمعاهدات)،حيث كان من الأجدى إبطال القانون 110الذي صدّق تلك الاتفاقية، التي تنطوي على خرق واضح للسيادة العراقية والمنصوص عنها في الدستور، لجهة عدم تسليم أي مواطن عراقي، بذلك تكون المحكمة قد طبّقت رقابتها الشكلية على ذاك القانون، الذي صدر في ظل النظام السابق، ومن دون المرور عبر مجلس النواب للتصديق على الاتفاقية المذكورة والمخالفة ليست للدستور، بل لكافة الأعراف الدولية المتعلقة بالسيادة الوطنية على المواطنين كافة !
ب-إن القرار قد انطوى على مخالفة واضحة للمادة 46 من إتفاقية فيينا التي تحظر على أي دولة بعد توقيعها المعاهدة أو الإتفاقية الدولية بحجة مخالفتها للدستور في الدولة المعنية. حيث كان بإمكان المحكمة تطبيق المادة 53 من إتفاقية فيينا التي تنص على التالي:
"تكون المعاهدة باطلة إذا كانت وقت عقدها تتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي، لأغراض هذه الإتفاقية يقصد بالقاعدة الآمرة من القواعد العامة للقانون الدولي للقاعدة المقبولة والمعترف بها من قِبَل المجتمع الدولي ككل على أنها قاعدة التي لا يجوز الإخلال بها، والتي لا يمكن تعديلها إلّا بقاعدة لاحقة من القواعد العامة للقانون الدولي ذات الطابع"
هنا مسألة التعارض في نص هذه الاتفاقية مع قاعدة عامة واضحة، لأن المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتربّع على رأس هرم القانون الدولي، نصت على أن سيادة الدول لا يمكن التعرض لها من قِبَل أي دولة أخرى، ولهذا جاء القانون 110 يومها لخرق مبدأ السيادة المحظر إنتهاكه من قبل الغير، فكم بالحري من النظام القائم في الدولة المعنية!
ان تعليقنا على قرار مضى عليه عقد من الزمن، هو بهدف تصويب إجتهاد القضاء الدستوري وتحديداً في العراق؛ لأن هذا القضاء يسهر على تطبيق النص الدستوري، وبالتالي لا يمكنه إصدار قرارات تشوبها ثغرات وملاحظات ناتجة عن عدم التقيّد بالقانون الدولي أو بالصلاحية المعطاة له في نص الدستور، ولكي تبقى تلك القرارات ثابتة وواضحة، لا أن تضطر المحكمة الإتحادية للعدول عن قرار سابق صدر عنها كما حصل مع تصديق إتفاقية خور عبدالله، وما ترتََّب عنها من توترٍ مُضمر في العلاقات بين العراق ودولة الكويت بهذا الخصوص. كذلك يهدف الى حث المُشرِّع العراقي لسد الثغرة القانونية الموجودة حالياً، لجهة ضرورة تحديد موقع المعاهدة بالنسبة للقوانين العراقية، لا أن يقتصر الأمر على فوقيتها على بعض النصوص المحددة حصراً على وفق ما نصت عليه المادة 29 من القانون المدني، وضرورة إعادة النظر بقانون المعاهدات لعام 2017 وإخضاع المعاهدات للرقابة على دستوريتها قبل إبرامها وتصديقها كي لا يخالف العراق القانون الدولي وتحديداً المادة 46 من إتفاقية فيينا لعام 1961.
ختاماً أقول هذا التعليق قابل للنقاش واذا اقتضى الأمر لتصويب أي خطأ ورد فيه أو سد أي ثغرة قانونية دستورية أم دولية.

 

مواضيع ذات صلة