آخر الاخبار

shadow

الاتحادية العليا والرقابة على دستورية تشريعات اقليم كوردستان

د.احمد طلال عبد الحميد البدري

   أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها بالعدد (232 وموحداتها 239 و248 و253/اتحادية /2023) في 30 /5 /2023 والمتضمن الحكم بعدم دستورية قانون استمرار الدورة الخامسة لبرلمان كوردستان – العراق رقم (12) لسنة 2022 الصادر عن برلمان كوردستان –العراق في جلسته الاعتيادية رقم (11) في 9 /10 /2022 المتضمن تمديد عمل برلمان الاقليم لسنة اضافية دون اجراء انتخابات نيابية ، واعتبار مدة الدورة الخامسة لبرلمان الاقليم منتهية بانتهاء المدة القانونية المحددة لها بموجب المادة (51) من القانون رقم (1) لسنة 1992 المعدلة ، واعتبار كل ما صدر من برلمان الاقليم بعد تلك المدة القانونية باطلاً من الناحية الدستورية استناداً لأحكام المادة (13/ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2003 ، والحقيقة ان هذا القرار تطرق الى بعض المبادىء الدستورية المهمة التي كانت موضع تطبيق من قبل المحكمة في قرارات سابقة ، لذا سنحاول العرض والتعليق على القرار المذكور حيثما وجدنا ضرورة لذلك كون القرار طويل نسبياً ويقع في (20) صفحة  :

1- تعدد مستويات الحكم في النظام الفيدرالي : من المعروف ان دستور جمهورية العراق قد اخذ بالنظام الفيدرالي ( اللامركزية السياسية) اضافه لاخذه بنظام اللامركزية الادارية بالنسبة للمحافظات غير المنتظمة باقليم  ، وقدر تعلق الامر بالنظام الفيدرالي قسّم الدستور مستويات الحكم على مستويين: اتحادي واقليمي، ومن الثابت ان من اهم مبادىء الفيدرالية هو الاستقلال القضائي للأقاليم او الكانتونات او الولايات أياً كانت تسميتها ، والاستقلال القضائي للأقاليم لانعني به مبدأ استقلال القضاء وهو مبدأ دستوري معروف ، فالاستقلال القضائي للأقاليم يعني وجود قضاء مستقل من حيث التشكيل والاختصاص لكل اقليم ضمن مستوى النظام الفيدرالي ، اضافة لوجود قضاء اتحادي له تشكيلاته واختصاصاته ، ولكن السؤال الاهم هل يخضع القضاء الاقليمي لرقابة وتعقيب القضاء الاتحادي ؟ وبالرجوع الى المادة (89) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نجد انها حددت مكونات السلطة القضائية على سبيل الحصر وعلى رأسها مجلس القضاء الاعلى ، وبالرجوع للمادة (2/ اولاً) من قانون مجلس القضاء الاعلى التي حددت تشكيلة المجلس نجد ان الفقرة (6) منها قد جعلت رؤساء مجلس القضاء في الاقاليم عضواً فيه ، وهذا معناه ان مجلس القضاء في اقليم كردستان يتبع مجلس القضاء الاعلى الاتحادي ، وبالتالي فإن قضاء الاقاليم يخضع لرقابة وتعقيب القضاء الاتحادي ، وهذا لا يتعارض مع احكام المادة (121/اولاً) من الدستور التي اعطت للاقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقاً لأحكام هذا الدستور باستثناء ماورد فيه من اختصاصات حصرية للحكومة الاتحادية ، ووفقاً لهذا النص فإن للأقاليم استقلال قضائي ويتولى الاقليم وضع تشكيلات واختصاصات السلطة القضائية في الاقليم إلا انه يخضع لرقابة واشراف القضاء الاتحادي  ، وبالرجوع الى نص المادة (92) من الدستور نجد انها قد نصت على تشكيل محكمة اتحادية عليا واحدة تتولى الفصل في دستورية القوانين والانظمة سواءً كانت صادرة من السلطة التشريعية الاتحادية ام من السلطات التشريعية في الاقاليم، ولاسيما ان الاقاليم ملزمة بسنّ التشريعات بما لاتخالف احكام الدستور ، وبذلك ينتفي السند القانوني لوجود محاكم دستورية في الاقاليم ولا يجوز لإقليم كردستان تشكيل محكمة دستورية لمراقبة مدى انطباق تشريعات الاقليم مع دستور الاقليم لان السلطة التشريعية في الاقليم مقيّدة بنصوص الدستور الاتحادي وبالتالي لا يمكن سنّ تشريع في الاقليم سواءً كان قانون او دستور يخالف احكام الدستور الاتحادي .

2- تغليب مبدأ دورية الانتخابات على مبدأ استمرارية المرافق او المؤسسات الدستورية: كرست المحكمة الاتحادية العليا في هذا القرار مبدأ مهم يدعم التجربة الديمقراطية وحق الانتخاب والتصويت وهو مبدأ دورية الانتخابات وغّلبته على مبدأ استمرارية المرافق و المؤسسات الدستورية في الاقليم ، حيث افاض القرار في شرح مبادىء الديمقراطية الواردة في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وخصوصاً المتعلقة بالحقوق والحريات السياسية كالانتخاب والترشيح والتمثيل النيابي وحرية المشاركة السياسية ...الخ من المبادىء، والتي استند اليها في تسبيب عدم دستورية قانون اصدره برلمان اقليم كوردستان العراق لان هذا التعديل قد مدد عمل هيئة تمثيلية منتخبة خارج حدود المدة المحددة في قانون برلمان كردستان – العراق رقم (1) لسنة 1992 المعدل، ولكونه مخالف لمبدأ دورية الانتخابات المنصوص عليه في المادة (56/1) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، حيث جاء في حيثيات القرار ( ... ان تشريع القانون المذكور يسلب او يؤجل حق الانتخاب والترشيح لأبناء اقليم كردستان الناشىء عن المادة (51) من قانون برلمان كوردستان العراق رقم (1) لسنة 1992 المعدل التي نصت على ان : ( مدة المجلس اربع سنوات تبدأ من اول جلسة له وتنتهي بانتهاء اخر جلسة في السنة الرابعه ) ويعد تجاوزاً على المبدأ الذي اكدته المحكمة الاتحادية العليا المتضمن تعارض التمديد للمجالس المنتخبة مع مبادىء الديمقراطية والحقوق السياسية وذلك بقرارها المرقم (117/اتحادية /2019) ...) ، كما ورد في موقع اخر من القرار ما نصه ( ... وتطبيقاً لمبدأ دورية الانتخابات فقد نصت المادة (56/اولاً) من الدستور على ان : ( تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب اربع سنوات تقويمية ، تبدأ بأول جلسة له وتنتهي بنهاية السنة الرابعة ) واستناداً لذلك فأن امتداد الدورة الانتخابية لأكثر من اربع سنوات تقويمية يجعل من ذلك الامتداد مخالف لأحكام المادة المذكورة انفاً ، اذ ان مصلحة الشعب تتحقق بإجراء الانتخابات عند انتهاء مدتها الدستورية ، وبخلاف ذلك يعني حرمانه من ممارسة حقوقه الدستورية ويجب عدم مخالفة احكام المادة (56/اولاً) من الدستور بالنسبة لانتخاب برلمان الاقليم او لانتخابات مجلس المحافظات ، اذ يعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الاقاليم او اي نص قانوني اخر يتعارض مع احكام الدستور بوصفه القانون الاسمى والاعلى في العراق ويكون ملزماً في انحائه كافة وبدون استثناء استناداً لأحكام المادة (13/اولاً/ثانياً) من الدستور ...) ، مما تقدم فأن سبب عدم دستورية قانون تمديد عمل برلمان الاقليم هو مخالفته لنص المادة (56/اولاً) من الدستور، التي كفلت مبدأ دورية الانتخابات  .

3- حالة الضرورة : دفع وكيل المدعى عليه الاول بأن سبب تشريع قانون تمديد عمل برلمان الاقليم يتجسد في حالة الضرورة لان برلمان الاقليم وجد نفسه امام مشكلة عدم توصل الكتل السياسية الى اتفاق بخصوص قانون الانتخابات وتفعيل المفوضية العليا للانتخابات الامر الذي سيؤدي الى فراغ دستوري وقانوني ، والحقيقية ان دستور جمهورية العراق لم يأخذ بحالة الضرورة بمفهومها الدستوري والتي تستوجب وجود ظرف شاذ يبرر الخروج على قواعد المشروعية من قِبـَل الحكومة لممارسة سلطات استثنائية بهدف الحفاظ على الامن وتفادي الاخطار الداهمة في فترات معينة كالحروب والكوارث او حالات التمرد او الثورة او الاضراب العام يمنع البرلمان من الانعقاد وعندها تمارس السلطة التنفيذية سلطات واسعه تتحلل من قواعد المشروعية العادية ولها ان تصدر او توقف او تعدل او تلغي قوانين بموجب ما يعرف بلوائح الضرورة وهذه لم ياخذ بها الدستور الحالي ، وبذلك فأن حالة الضرورة لاتنطبق على مبررات تشريع قانون تمديد عمل الاقليم لعدم تحقق حالات الضرورة ، وحتى حالة الطوارىء التي اخذ بها دستور جمهورية العراق لسنة 2005 في المادة (61/ تاسعاً) منه لايمكن الركون اليها على انها مبرر لتمديد عمل البرلمان لعدم انطباقها عليها ، وحيث ان المحكمة الاتحادية العليا قد توصلت الى ان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات هي المسؤولة عن اصدار الانظمة والتعليمات الخاصة بالانتخابات عموماً الاتحادية والاقليمية والمحلية اذ جاء في حيثيات قرارها ( ... وبذلك فإن الذي يقوم بوضع الانظمة والتعليمات لجميع الانتخابات والاستفتاءات سواءً كانت اتحادية او اقليمية او محلية وفي جميع انحاء العراق هي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، وتقوم هيئة الاقليم للانتخابات بالتنسيق والتعاون مع المكتب الوطني بمهام الادارة والتنظيم والانتخابات بالإقليم تحت اشراف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ...) ، فإن ذلك يقتضي من سلطات الاقليم التنسيق مع المفوضية العليا للانتخابات لإجراء الانتخابات النيابية عند انتهاء دورة عمل برلمان الاقليم بدلاً من تشريع قانون يخالف احكام الدستور الاتحادي ومبدأ دورية الانتخابات الوارد فيه والذي كرسته المحكمة الاتحادية العليا في قرار سابق لها  .

4- بطلان اعمال برلمان الاقليم باثر رجعي : تضمن القرار اعتبار كل ما صدر عن برلمان الاقليم خلال مدة التمديد باطلاً من الناحية الدستورية استناداً لأحكام المادة (13/ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، وهذا معناه ان الحكم بعدم الدستورية للقانون الذي يسمح لبرلمان الاقليم بالعمل وما صدر عن البرلمان من اعمال ملغاة بأثر رجعي، وهذا يُعد تطبيقاً لنص المادة (37) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2022 التي جاء فيها ( يسري اثر الحكم الصادر من المحكمة في غير النصوص الجزائية من تاريخ صدوره الا اذا نص الحكم على خلاف ذلك ) ، والحقيقة ان هذا النص جاء لمعالجة الاغفال التشريعي الذي لم يحدد النطاق الزمني لسريان قرارات المحكمة الاتحادية العليا وقرر الاثر الفوري للسريان باستثناء بعض الحالات ، إلا أن هذا النص لم يتناول مسألة جبر الضرر والتعويض عن الاضرار المترتبة على تطبيق هذا القانون قبل الغاءه، لذا ندعو المُشرِّع العراقي الى تعديل هذا النص بما يسمح بتعويض المتضررين عن الغاء القوانين بأثر رجعي لعدم دستوريتها، ومثل هذا الحكم ليس بغريب عن دساتيرنا حيث نصت المادة (86) من القانون الاساسي العراقي لسنة 1925 بان قرارات المحكمة العليا تسري من تاريخ صدور قرار المحكمة على ان تقوم الحكومة بتشريع يكفل ازالة الاضرار المتولدة من تطبيق الاحكام الملغاة ...ومن الله التوفيق .

مواضيع ذات صلة