آخر الاخبار

shadow

ولاية المحكمة الاتحادية العليا على صحة استمرار عضوية مجلس النواب في ظل القرار بالعدد (9/اتحادية/2023) في 14 /11 /2023

الدكتور علي هادي عطيه الهلالي / عميد كلية القانون - جامعة بغداد

   يمثل الشعب السياسي نائبين عنه يؤلفون المؤسسة التشريعية ليمارسوا العمل التشريعي والرقابي ويسهموا في بناء مساند باقي السلطات بديلاً عنه ، لذا كان لزاماً أن تتحقق فيهم شروطاً لتلك النيابة يحددها الدستور وتكرسها القوانين لتكون مدخلاً أولياً لصحة النيابة التمثيلية ، ولكن لاستمرار صحة تلك النيابة طيلة مدة التمثيل النيابي يتطلب شروطاً أخرى يحددها القسم الدستوري بوصفه الفاصل الزمني بين الفوز بالانتخابات و بدأ العمل النيابي .

   من الزاوية المتقدمة فرض دستور جمهورية العراق(1) وقانون الانتخابات (2) شروطاً في "المرشح" ، كما فرض شروطاً أخرى لاستمرار النيابة ضمّنها القسم الدستوري بوصفه شرطاً أولياً لمباشرة العمل النيابي بعد فوز المرشح وتقرير صحة عضويته (3)، بمعنى: إن بقاء شروط فوز المرشح لا يغني عن وجوب استمرار شروط بقائه بالنيابة .

   لذا وكدت المحكمة ما تقدم حين قضت :" اذا كانت مخالفة المادة (50) من الدستور لا ترتب انهاء العضوية ازاء مخالفة القسم بالله سبحانه وتعالى يصبح وجود تلك المادة لغواً في الدستور وهذا ما لا يمكن القول به شرعاً ودستورياً "(4) ، وبالنتيجة فإن المحكمة تكشف عن شروط استمرار النيابة ، التي بدأت صحيحة وموافقة للدستور والقانون بيد أن شرائط استمرارها قد تنتهي مما يوجب ايقاف استمرارها .

   ومن بين أخص شروط استمرار النيابة المقررة دستورياً : " تأدية المهام بمسؤولية ، والالتزام بتطبيق التشريعات بامانة وحياد"(5) ، وواضح أن هذه الشروط تصاحب العمل بعد المباشرة به وتستمر الى نهاية مدة النيابة البرلمانية ، ولا تعود الى مرحلة الترشيح والفوز بالمقعد النيابي ، وهذا ما وكده قانون المؤسسة التشريعية حين قرر :"أن عدم اداء القسم تغيباً " ، بمعنى: عدم صحة العمل وفقدان شرط البدأ به (6) .

   وطبيعي أن تكون "الامانة والحياد في تطبيق التشريعات" شروطاً لازمة لاستمرار النيابة ، كونها تستند الى المستقر الثابت في ضمير الانسانية من جهة ولكون واضع التشريع يجب أن يتقيّد به قبل غيره من جهة اخرى ، ولا يمكن قبول أن ثبوت شروط الترشح مانعة لعدم التزام النائب بالحياد والامانة بعد مباشرته بالنيابة فالاولى لا تغني عن الثانية .  

   ولكن تقرير الجزاء المناسب في حالة انتفاء شروط استمرار النيابة قد يتطلب السند والصلاحية إذ لا عقوبة الا بقانون ولا ولاية إختصاص دون سند صريح ؟

   تختلف الجزاءات الدستورية عن سائر الجزاءات ، فهي تتطابق مع طبيعة المخالفة الدستورية حتى لا يكون علو الدستور ورفعته شعاراً براقاً أو أملاً تسعى الى تحقيقه الشعوب فقط ، فنصوص الدستور وأخصها ما اشترطت صحة استمرار العضوية نصوصاً ملزمة للنائب ولا يمكنه التحلل منها اثناء ممارسته النيابة وهذا ما يوجبه الدستور(7) وقانون السلطة التشريعية (8) ، لذا فإن جزاء مخالفة الدستور قد يتقرر من خلال الرقابة على دستورية القوانين بابطال التشريعات المخالفة للدستور إذا ما صدرت باسم المجلس التشريعي ، أو من خلال جزاءات سياسية اخرى إذ ما ارتكبت من النائب بصورة منفردة ولا تنسب الى المجلس ،  إذ لا يمكن قبول حماية منقوصة للدستور ، ولا يعقل حمايته من عدوان السلطة التشريعية وعدم حمايته من بعض شخوصها أو رموزها ، ولكن الجزاء يمكن أن يتفاوت بين الرقابتين فبطلان التشريع جزاء الرقابة الاولى ، والحكم بانتفاء شروط استمرار العضوية جزاء الثانية ، وبالنتيجة نوع المخالفة ومصدرها يتناسب مع الجزاء المقرر ، أما القول بفرض الجزاء على من يخالف الامانة والحياد المقررة بالقسم الدستوري على رئيس الجمهورية مثلاً (9) فقط ، دون قبول فرض الجزاء على من يخالف الشرط ذاته والقسم نفسه على غير رئيس الجمهورية يحتاج الى تقديم الدليل الصريح ولا يكفيه الاستنتاج أو التأويل ، لذا فالمحكمة التي تقرر الجزاء على رئيس الجمهورية وتدينه يكون لزاماً عليها أن تقرره على ما عداه ممن التزم بالقسم نفسه ، كون شخصية من يخالف القسم ليست محل اعتبار ، فالعبرة بحماية ما أورده الدستور في القسم الدستوري ، وهذا ما صرّح به قانون السلطة التشريعية نفسه حين قضى بنهاية النيابة في المجلس التشريعي في حالة فقدان شروطها المنصوص عليها في الدستور والقانون (10) .

   ولكن الحقيقة اعلاه قد يعارضها الاحتجاج بمدى اختصاص المحكمة الاتحادية العليا في تقرير الجزاء بانتهاء النيابة في حالة فقدان شرط استمرارها  مما قد يدعو الى التساؤل عن اساس الولاية في رقابة استمرار النيابة عن السلطة الاتحادية ؟

   تمارس المحكمة ولايتها الصريحة في "الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية (11) ، لذا قد يطعن باجراء صدر من السلطة التشريعية تطبيقاً منحرفاً لنصوص الدستور والقانون أمام المحكمة ، ولابد من بسط ولايتها على الطعن الاصلي ، ولكن ولايتها تمتد الى توابعه ونتائجه ، فإذا كان يشكل خرقاً للدستور لا يمكنها صرف النظر عن تقرير مخالفته وبخاصة اذا ما كان هذا التقرير لازماً للفصل بالدعوى الاصلية أو متمماً لها أو ناتجاً عنها ، لذا تمتد ولايتها التكميلية لتقريره حتى تصل الى الفصل الدقيق بالدعوى المنظورة ، أما انكار ذلك الاختصاص أو الولاية يعني: عدم الفصل بالدعوى الاصلية كما يعني حمايتها للدستور حماية مبتسرة مما يخالف سبب وجودها في حماية الدستور ، وهذا ما توصلت اليه المحكمة حين قضت :" إن الحكم بعدم صحة الاوامر النيابية لاستنادهما على وقائع غير صحيحة ومحرفة يقتضي البت بالعضوية " (12)

   إن توصيف الجزاء لمخالفة النائب شرط استمرار نيابته (بانتهاء العضوية ) أو (اسقاط العضوية) جزاء مستقبلي لا يرتد الى الماضي ،أي: لا يرجع بأثره الى بدأ النيابة  ، كون العقوبة لا ترتد الى الماضي ، ومن هنا فإن الجزاء بانتهاء العضوية أو اسقاطها يتناسب مع شرعية التجريم والعقاب ، كونها لا تشكك بصحة العضوية ، بل تنفي صحة استمرارها وبهذا قضت المحكمة :" أما انتهاء العضوية لعضو مجلس النواب فإن ذلك يتم إذا توافرت الشروط يوم الانتخاب وزالت بعد ذلك وإذا ثبت بأن عضو البرلمان ارتكب فعلاً مخالفاً فيه الدستور والقانون فإن ذلك يتعلق بانهاء العضوية واسقاطها "(13) .

   إن الجزاء الدستوري الذي قررته المحكمة الاتحادية العليا في انهاء العضوية واسقاطها لمخالفة شرط أوجبه الدستور والقانون صراحةً لا يمنع من من تقرير المسؤولية الجزائية التي يقرها القانون وتفرضها المحكمة المختصة ، فلا تداخل بين المسؤوليتين السياسية والدستورية والمسؤولية الجزائية حتى لو كانت عن الفعل نفسه فلكل منها احكامها ومساحتها ، فمسؤولية رئيس الجمهورية (14) ، ورئيس الوزراء (15) السياسية عن افعالهم المخالفة للدستور تنهض ولا تحول دون قيام مسؤوليتهم الجزائية والمدنية عن الافعال نفسها اذا ما رتبت أثر جزائي أو مدني في حالة تحقق اركانها وشروطها .

   وبالنتيجة يكون المكلف بخدمة عامة (كالنائب) مسائل عن افعاله بعد مباشرته بالعمل ، وتنهض مسؤوليته السياسية والدستورية ، والتي قد تصل الى اسقاط عضويته إذا ما تخلف شرط من شروط استمرار العضوية من دون أن يمنع ذلك من قيام مسؤوليته الجزائية والمدنية .    

(1)  المادة/49 /ثانياً وثالثاً من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 .

(2)  المادة/8 قانون الانتخابات مجلس النواب العراقي رقم 9 لسنة 2020  

(3)  المادة/50 من الدستور ، والمادة/10- أولاً من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لسنة 2018 .

(4)  القرار بالعدد  (9/اتحادية/2023 )  في  14 /11 /2023

(5)  المادة /50 من الدستور

(6)  المادة/11 – رابعاً  من قانون مجلس النواب

(7)  المادة / 13- أولاً من الدستور

(8)  المادة/10 من قانون مجلس النواب

(9)  المادة/61 –سادساً-ب من الدستور

(10)  المادة 12 – ثالثاً من قانون مجلس النواب

(11)  المادة 93 – ثالثاً من الدستور

(12)  القرار بالعدد   9/اتحادية/2023   في  14/11/2023

(13)  القرار بالعدد   9/اتحادية/2023   في  14/11/2023

(14)  المادة /61 – سادسا-ب من الدستور .

(15)  المادة /61 – ثامناً من الدستور .

 

مواضيع ذات صلة