آخر الاخبار

shadow

تعليق على قرار المحكمة الاتحاديّة، في العدد 224 موحدتها 269 / اتحاديّة 2023، بخصوص توطين رواتب موظّفي ومتقاعدي شبكة الحماية الاجتماعية في إقليم كردستان العراق.

الدّكتور عباس هادي العقابي/ جامعة بغداد.

    إنّ هذا القرار العظيم الذي انتصر للدستور والقوانين ولشعبنا في إقليم كردستان، والذي رسم البسمة على وجوههم وأشعرهم بأنّهم يعملون لدى الدولة العراقيّة، وليس لدى القطاع الخاص.

إذ أقام المدّعي دعواه على رئيس مجلس الوزراء الحكومة الاتحاديّة ورئيس مجلس الوزراء في إقليم كردستان دعوةً مطالبًا بتنفيذ قانون الموازنة المرّقم (13) للسنوات 2023 و2024 و2025، وصرف رواتب موظّفي الإقليم عن شهري تموز وآب، أسوةً بموظّفي الحكومة الاتحاديّة، كما وطالب بإطلاق الرواتب في المستقبل، وحلّ الخلافات بين المدّعي عليهما وعدم إشراك الموظّفين بالخلافات السياسية القائمة، والتي تحدث مستقبلاً.

أصل الخلاف أنّ قانون الموازنة للسنوات الثلاث، قد أشار، في المادّة (12) ، إلى شروط لإطلاق رواتب الإقليم، أوجزها كما يلي :

المادة (12): ثانياً / أ : تلتزم حكومة إقليم كردستان بالتنسيق مع وزارة النفط الاتحاديّة بشحن النفط الخام المنتج، من الحقول الواقعة في الإقليم إلى مخازن شركة التسويق النفطي (سومو) بما لا يقلّ عن 400 ألف برميل يوميًا. وتتولّى شركة التسويق (سومو) تصدير تلك الكميات وبالتنسيق مع وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم، والأسعار ذاتها وألية البيع، "وتقيّد إيراداتها إيرادًا نهائيًا للخزينة العامّة".

ب- في حال تعذّر التصدير عن طريق ميناء جيهان التركي، أو أي منفذ آخر، تلتزم حكومة إقليم كردستان بتسليم كميات النفط المشار إليها في الفقرة (أ) أعلاه إلى وزارة النفط الاتحاديّة بغرض استخدامها محليًا، وبحسب الحاجة التي تحدّدها وزارة النفط الاتحاديّة.

ج- تتولّى وزارة الماليّة الاتحاديّة تعويض حكومة الإقليم عن كلف وانتاج ونقل كميات النفط المنتجة في الإقليم المستلمة من وزارة النفط الاتحاديّة، وفقًا للفقرتين (أ) و(ب) أعلاه .

د- تلتزم حكومة الإقليم بتسليم الواردات غير النفطيّة إلى خزينة الدولة وبحسب قانون الإدارة الماليّة الاتحادي على أن يقوم ديوان الرقابة الماليّة الاتحادي بالتنسيق مع ديوان الرقابة في الإقليم بتدقيق البيانات المتعلقة بتلك الإيرادات.

ه- " تلتزم وزارة الماليّة الاتحاديّة بتمويل مستحقات الإقليم بموجب أحكام هذا القانون شهريًا، بعد قيام الإقليم بتنفيذ الفقرات ( أ،ب،ج، د) من هذا البند" ......

بهذا اشترط قانون الموازنة لسنوات الثلاث عدم تمويل مستحقات الإقليم، إلّا بعد تطبيق الشروط أعلاه ..

في الأصل؛ إنّ جزءًا كبيرّا، من المادة (12) من قانون الموازنة للسنوات الثلاث، استنبط من قرار المحكمة الاتحاديّة في العدد ( 59 / اتحاديّة 2012 / وموحدتها 110 / اتحاديّة /  2019) ، والذي أعطى قوة تنفيذيّة عندما اشترط في الفقرة (4) من القرار: " إيصال حقوق مواطني محافظات إقليم كردستان من الموازنة العامّة الاتحاديّة وعدم تأخيرها، بعد أن تُنفذ حكومة إقليم كردستان فقرات هذا القرار كافّة..."

طلب وكيل المدّعى عليه الأوّل: ردّ الدّعوى لعدم الاختصاص.

لوحظ، من خلال القرار، أنّ وكيل المدّعى عليه الثاني لم يقدّم لائحة جوابية، بل طلب الاستمهال، فردّت المحكمة طلبه ؛ لأنها سبق وأن أمهلته، وهذا مؤشر على ضعف موقف المدّعى عليه الثاني.

أدخلت المحكمة وزارة الماليّة الاتحاديّة ووزارة الماليّة والاقتصاد في إقليم كوردستان وديوان الرقابة الماليّة وأشخاصًا آخرين في الدّعوى. وأجاب وكيل المستوضح منه الأوّل "وزارة الماليّة الاتحاديّة" على جملة من الاستفسارات؛ أبرزها فتح حسابين بالدولار الأمريكي والدينار العراقي في البنك المركزي العراقي لغرض إيداع إيرادات إقليم كردستان، ولم يجرِ إيداع أي مبالغ فيها.

أجاب وكيل المستوضح منه الثالث "رئيس ديوان الرقابة الماليّة الاتحادي"

أصدرت دائرته تقريرًا إلى مكتب رئيس مجلس الوزراء عن نتائج أعمال الرقابة والتدقيق على أعداد الموظّفين والمشمولين برواتب الرعاية الاجتماعية والمتقاعدين في الإقليم لعام 2023، ولم ترد الإجابة من الإقليم.

لم تقم حكومة إقليم كردستان بتسليم الإيرادات غير النفطيّة إلى خزينة الدولة، وبحسب قانون الإدارة الماليّة الاتحاديّة كي يدققها هذا الديوان.

لوحظ عدم إجابة وكيل المستوضح منه الثاني: "وزارة الماليّة ولاقتصاد في حكومة إقليم كردستان". وهذا، أيضًا، يُضعف موقف الإقليم تجاه الدفاع عن نفسها أمام القضاء خصوصًا، وأنّ المستوضح منه الأول والثاني، من خلال لوائحهما، يتبيّن أنّ الإقليم لم يطبق بنود قانون الموازنة.

عند عطف النظر في القرار؛ نجد أنّ المحكمة أسهبت في التحدث عن كرامة الإنسان وضرورة صيانتها، وأيضًا ذكّرت ببعض الآيات القرآنيّة عن الخيرات التي أنعم الله بها على الانسان، وأيضًا تطرقت إلى وصايا الإمام علي - عليه السّلام- إلى "مالك الأشتر" عن إنصاف الرعيةّ.. مذكّرة سلطات الإقليم بضرورة احترام حقوق الانسان وهذا الاسهاب اضاف اهمية الى القرار.

كما تطرقت المحكمة الاتحاديّة العليا، في متن القرار، إلى جملة من المبادئ، وأبرزها:

إنّ المادة (14) من دستور جمهورية العراق تقتضي وجوب تحقيق المساواة بين العراقيين من دون تمييز لأي سبب كان، وإن تطبيق ذلك يجب ان يكون فعليًا وليس نظريًا ... ويجب أن تسخّر جميع إمكانات الحكومة الاتحاديّة وحكومة الإقليم لتنفيذ ذلك ..

إنّ الدستور خصّ السّلطات الاتحاديّة بمهام وواجبات وطنية على المستوى الخارجي والداخلي، تشمل جميع أنحاء جمهورية العراق. أما سلطات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، فهي خُصّت بمهام محلية ضمن الإقليم الواحد أو ضمن المحافظة الواحدة...

بالفعل ؛ إن الحكومة الاتحاديّة هي المعنية بإدارة شؤون البلد، وبما أنّ المادة (80) منحت مجلس الوزراء الاتحاديّة إعداد مشروع قانون الموازنة ثم التصويت عليها من السّلطة التشريعية وتنفيذها من السلطة التنفيذيّة، وما للإقليم سوى أن يستلم المستحقات من الحكومة الاتحاديّة وبحسب ما تقتضي المصلحة العامّة، أي ليس للإقليم أن يمتنع عن تنفيذ القانون الاتحادي.

إنّ عملية التوطين تلزم الحكومة الاتحاديّة بتمويل جميع مستحقات الرواتب المذكورة شهريًا وتخصم من حصة الإقليم في قانون الموازنة ... وإن ذلك يلزم الحكومة الاتحاديّة أيضًا بالالتزام بأحكام قانون الموازنة، وعدم دفع أي مبلغ خلافًا له بداعي تمويل الرواتب خارج نطاق التوطين.... إنّ ما ذُكر هو إشارة إلى قرار مجلس الوزراء الرقم 23520 لسنة 2023 القاضي بمنح حكومة الإقليم قرضًا بقيمة 700 مليار دينار لسدّ رواتب موظّفي الإقليم، ومع ذلك حكومة الإقليم تقاعست عن دفع تلك الرواتب لموظّفيها....

كما وأنّ لمسألة التوطين إيجابية منها معرفة العدد الحقيقي للمستفيدين من الرواتب، سواء الموظّفين أم المتقاعدين وشبكة الحماية الاجتماعية... وكذلك جعل قاعدة بيانات متكاملة عن المستفيدين من الرواتب.

 إنّ ما جاء، في دعوى المدّعين، ولما ثبت من خلال جريان المرافعات بأنّ الموظّفين والمتقاعدين ومستفيدي شبكة الحماية الاجتماعية في الإقليم لم يتسلّموا رواتبهم بانتظام عن شهري تموز وآب، وذلك مخالفة للدستور وتحديدًا المواد الآتية : 14 و16 و22 و23 و24 و25 و 26 و27 و 28 و29 و 30 و31 و32 و33 و34 و35 و36.

بناءً عليه ؛ قررت المحكمة الاتحاديّة العليا إلزام رئيس مجلس الوزراء، في الحكومة الاتحاديّة ورئيس مجلس الوزراء في حكومة إقليم كردستان، بتوطين رواتب منتسبي جميع الوزارات والمحافظات والجهات غير المرتبطة بوزارة وجميع منتسبي الجهات الحكومية والمتقاعدين والمستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية في الإقليم في المصارف الحكومية الاتحاديّة  العاملة خارج الإقليم، وتخسم من حصة الإقليم  لهذه السنة والسنوات القادمة..

على أن يقوم رئيس وزراء الحكومة الاتحاديّة بعد التوطين بتمويل رواتب المنتسبين في الإقليم وعدم تمويلها عن طريق القروض...

إن هذا القرار إشارة إلى أن الحكومة الاتحاديّة ستموّل الرواتب فقط لإيصالها إلى مستحقيها، أما باقي حصة الإقليم، ستبقى مجمدة لدى الحكومة الاتحاديّة ما لم تنفذ حكومة الإقليم المادة 12 من قانون الموازنة الاتحاديّة...

إنّ هذا القرار العظيم التأريخي بعد صدوره ؛ عرّض المحكمة الاتحاديّة إلى هجمة شرسة من المتضررين منه، إلاّ أنها لا تثني عزيمتهم على التقدم وحماية الدستور ومصالح الشعب العراقي. إنّ هذا القرار أكّد، وبالدليل القاطع، أنّ الدستور سيكون عرضة للانتهاك لولا وجود المحكمة الاتحاديّة، وأنّ عدم تنفيذ قراراتها سيعرض المخالفين لها إلى العقوبات الجزائية استنادًا إلى المادة 329/ 2 من قانون العقوبات العراقي الرقم 111 لسنة 1969.

مواضيع ذات صلة