آخر الاخبار

shadow

تعليقا على قرار المحكمة الإتحادية العليا لأهمية المضمون ومساسه بمبدأ دستوري بين يدي المحكمة الإتحادية العليا وتعليق على قرار حكم .. (لا ضريبة ولا رسم إلاّ بقانون) الحلقة الاخيرة

د. محمد يوسف السعدي

ومن ثم فان هذه النصوص توجب تحصیل هذه الاشتراكات جبراً عن الطلاب ویتوافر تبعاً لذلك عنصر الاكراه مما یجعلها من حیث الطبيعة القانونية رسمًا.

ومن حیث أن قانون اعادة تنظيم الأزهر رقم ( ١٠٣ ) لسنة ١٩٦١ لم یتضمن أيّة اشارة الى مبدأ تقریر هذا الرسم ومن ثم یكون النص علیه في المشروع المعروض یجافي أحكام الدستور لقيامه على غیر سند من القانون .

لكل ما تقدم یكون تضمین مشروع لائحة الاتحادات المشار إلیها نصاً یفرض رسما أواشتراكاً اجبارياً على كل الطلاب مقابل عضوية هذه الاتحادات یفتقر الى سند من نصوص القانون). 

وذهبت الجمعية العمومية للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع في مجلس الدولة المصري كذلك في الفتوى رقم (١٠٧ ) في ٢/ ٢/ ١٩٩٥ – ملف رقم ٣٢ / ٢/ ٢٥٠٣جلسة ٤ من يناير سنة ١٩٩٥ ، (منشورة في مجموعة المبادئ القانونية التي تضمنتها فتاوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع السنة التاسعة والاربعون « من أول أكتوبر سنة ١٩٩٤ إلى آخر سبتمبر سنة «١٩٩٥ ، ص ١٣٣ )، إلى أن قانون إنشاء هیئة ميناء الإسكندرية رقم ( ٦) لسنة ١٩٦٧ لم یتضمن أيّة إشارة إلى مبدأ تقرير رسم مقابل تداول البترول، ومن ثم یكون تقريره مخالفاً لأحكام الدستور لقيامه على غیر سند من القانون، وعدم التزام الهيئة المصرية العامة للبترول بأداء ما فرضته عليها هيئة ميناء الإسكندرية من رسم في الحالة المعروضة.

كما ذهبت الجمعية العمومية في الفتوى رقم ( ١٣٧ ) في ١٥ / ٢/ ١٩٩٩ – ملف رقم ٨٦ / ٤/ ١٣٩٩ جلسة ٢٧ من يناير سنة ١٩٩٩ ، (منشورة في مجموعة المبادئ القانونية التي تضمنتها فتاوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع السنة التاسعة والاربعون « من أول أكتوبر سنة ١٩٩٤ إلى آخر سبتمبر سنة «١٩٩٥ ، ص ١٣٣ )، إلى عدم مشروعية تحصيل مبالغ من الطلاب مقابل حصولهم على استمارات الالتحاق بالمدينة الجامعية؛ لان ذلك التحصيل هو في حقيقته رسم فرضته الجامعة دون سند من القانون، لخلو قانون تنظيم الجامعات رقم( ٤٩ ) لسنة ١٩٧٢ كذلك ولائحته التنفيذية من نصوص تسمح بفرض المقابل المشار إليه - مؤدى ذلك: عدم قانونية تحصيل تلك المبالغ.

وذهب مجلس الدولة في العراق بقراره المرقم ( ٥٤ / ٢٠٠٧ ) في ١٩ / ٧/ ٢٠٠٧ (منشور في قرارات وفتاوى مجلس شورى الدولة لعام ٢٠٠٧ ، وزارة العدل، مجلس شورى الدولة، ص ١٦٦ وما بعدها)، في شأن اتجاه بعض مجالس المحافظات في استيفاء ضميمة على الضرائب المفروضة بموجب القانون مقدارها ( ٥٪) خمسة من المئة مستندة في ذلك الى احكام امر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم ( ٧١ ) لسنة ٢٠٠٤ ما ادى الى حصول اختلاف في هذه المسألة بين مجالس المحافظات والسلطة المركزية ومدى صلاحية تلك اﻟﻤﺠالس في استيفاء الضمائم، إلى القول بأن :

(..وحيث ان الفقرة ( ١) من القسم ( ٨) من امر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم ( ٧١ ) لسنة ٢٠٠٤ اجازت للجهات الحكومية الاقليمية او المحلية فرض وتقدير وجباية والاحتفاظ وادارة او انفاق الضرائب والرسوم والتقديرات وفرض الضميمة بنسبة لا تتجاوز ( ٥٪) خمسة من المئة من الضرائب ذات الصلة ؛ وحيث ان المادة ( ١٣ ) من الدستور قضت في البندين (اولاً) و(ثانياً) منها ان يُ َ عدُّ الدستور القانون الاسمى والأعلى في العراق وملزماً في انحائه كافة ولا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويُعدُّ باطلاً كل نص يرد في دساتير الاقاليم أوأي نص قانوني آخر يتعارض معه ؛ وحيث ان البند (اولاً) من المادة ( ٢٨ ) من الدستور قضت بأن لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل ولا تجبى ولا يعفى منها الاّ بقانون ؛ وحيث ان فرض (الضميمة) من مجالس المحافظات اصبح مقيداً بأحكام المادة ( ٢٨ ) من الدستور ؛ وحيث ان فرض الضميمة يجب ان يتماشى مع آلية التشريعات المتعلقة بفرض الضرائب لما ينبغي ان يتضمنه القانون من تفاصيل ووعاء هذه الضميمة ونوع الضريبة الخاضع للضميمة .

وتأسيساً على ما تقدم من أسباب يرى اﻟﻤﺠلس :

ان فرض مجالس المحافظات (الضميمة) بنسبة ( ٥٪) خمسة من المئة من الضرائب ذات الصلة لا يكون الاّ بقانون وللمجلس رأي في هذا المآل بقراره رقم ( ٦١ / ٢٠٠٥ ) في (١/ ١١ / ٢٠٠٥ ).

وفي فتوى أخرى سابقة ﻟﻤﺠلس الدولة بالرقم ( ٥٩ ) في ٢٩ / ١٠ / ٢٠٠٥ (منشورة في مؤلف: صباح صادق جعفر، مجلس شورى الدولة، ط ١، ٢٠٠٨ ، ص ١٦٥ وما بعدها)، رداً على استيضاح لوزير العدل حول مدى أحقية مجلس محافظة بغداد بفرض رسم على كافة عقود المقاولات والمزايدات والمناقصات والعقود التجارية التي توقع بين أطراف حكومية أو شبه حكومية وبين شركات أو مقاولين سواء كانت عراقية ام غير عراقية والتي تنفذ في محافظة بغداد حسب قيمة العقد بالاستناد إلى المادة ( ٢٩ /أ) من قانون إدارة الدولة العراقية، والقسم ( ٣) من امر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم ( ٩٥ ) لسنة ٢٠٠٣ ، انتهى اﻟﻤﺠلس في قراره هذا إلى عدم وجود سند قانوني لقيام مجلس محافظة بغداد بفرض مثل هذه الرسوم، مسب ً با ذلك بان القوانين النافذة ذات العلاقة بالرسوم والضرائب حددت مقدار الضريبة والرسم والمكلف بدفعها وتحديد ما يخضع للضريبة أو الرسم وفقا للأحكام المنصوص عليها في تلك القوانين، ولذلك فان فرض الرسم يجب ان يتماشى مع آلية التشريع المتعلقة بالضريبة أو الرسم، كما ان قانون إدارة الدولة العراقية عندما أجاز ﻟﻤﺠالس المحافظات زيادة إيراداتها عن طريق فرض الضرائب والرسوم وفقا لأحكام الفقرة ( ٥) من المادة ( ٢٩ ) منه، فان القصد منه ان يتم ذلك بتشريع لاحق يبين نسبة الضريبة أو الرسم والوعاء الضريبي والإعفاءات والتسهيلات وغير ذلك، كما ان فرض الضرائب والرسوم من قبل مجالس المحافظات بالاستناد إلى ما أشار إليه قانون إدارة الدولة العراقية يكون مقيدا بأحكام المادة ( ٥١ ) من ذات القانون التي نصت على أن: (لا ضريبة ولا رسم إلاّ بقانون)، وعليه فان فرض الضرائب والرسوم ينبغي أن يكون بتشريع صادر من جهة مخولة بإصداره ويراد بها السلطة التشريعية الإتحادية.

كما ناقش مجلس الدولة في فتوى أخرى بالرقم ( ٦١ ) في ١/ ١١ / ٢٠٠٥ (منشورة في مؤلف: صباح صادق جعفر، المصدر السابق، ص ١٦٨ - ١٧٠ )، حق مجالس المحافظات بفرض ضميمة على أساس ما جاء في القسم (١) من امر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم ( ٩٥ ) لسنة ٣٠٠٢ ، وكانت هذه الفتوى بمناسبة قيام مصرف الرافدين بالامتناع عن تسليم الواردات الخاصة بمديرية التسجيل العقاري في كربلاء ما لم يتم استقطاع ( ٥٪) منها وإيداعها باسم مجلس محافظة كربلاء.

وقد خلص اﻟﻤﺠلس إلى عدم أحقية مجلس محافظة كربلاء بفرض الضميمة مرتكنا في ذلك إلى عدة أسباب أهمها: أن الفقرة (أ) من المادة ( ٥٦ ) من قانون إدارة الدولة العراقية نصت على تمويل مجالس المحافظات من الميزانية العامة للدولة وﻟﻤﺠالس المحافظات زيادة إيراداتها عن طريق فرض الضرائب والرسوم طالما كانت تتماشى مع القوانين الإتحادية، وحيث ان القوانين النافذة ذات العلاقة بالرسوم والضرائب حددت مقدار الضريبة والرسم والمكلف بدفعها وفقا للأحكام المنصوص عليها في تلك القوانين، وبالتالي فان فرض الضميمة أو الرسم يجب ان يتماشى مع آلية التشريع المتعلق بالضرائب والرسوم، وان قانون إدارة الدولة العراقية عندما أجاز ﻟﻤﺠالس المحافظات زيادة إيراداتها عن طريق فرض الضرائب والرسوم وف ً قا لأحكام الفقرة (أ) من المادة ( ٢٩ ) من القانون كان المقصود منه ان يتم ذلك بتشريع لاحق يبين نسبة الضرائب والرسوم والوعاء الضريبي وغير ذلك، إلى جانب أن المادة ( ١٨ ) من قانون إدارة الدولة العراقية نصت على أن (لا ضريبة ولا رسم الاّ بقانون )، ومن ثم فان فرض الضرائب والرسوم من قبل مجالس المحافظات يكون مقيًدا بحكم هذه المادة، وبما ان الضميمة هي بمثابة رسم، وحيث ان فرض الضرائب والرسوم ينبغي ان يكون بتشريع صادر عن مخول بإصداره، ومن ثم فانه لا سند ﻟﻤﺠالس المحافظات باستقطاع هذه النسبة كضميمة.

وجوابًا على استيضاح وزارة البلديات والاشغال العامة عما إذا كان يحق ﻟﻤﺠالس المحافظات سواء أكانت سلطة تشريعية أم تنفيذية استيفاء ضرائب ورسوم خلافا لقانون الضرائب والرسوم الحالي، بين مجلس الدولة بقراره المرقم ( ٣٩ / ٢٠٠٨ ) في ١١ / ٣/ ٢٠٠٨ ( منشور في قرارات وفتاوى مجلس شورى الدولة لعام ٢٠٠٨ ، وزارة العدل، مجلس شورى الدولة، ص ١١٧ - ١١٩ )، عدم جواز قيام مجالس المحافظات بفرض واستيفاء الضرائب والرسوم إلاّ بقانون يحددها، وجاء في حيثيات القرارات المذكورة.. وحيث ان الفقرة ( ٢) من القسم ( ٢) من امر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم ( ٧١ ) لسنة ٢٠٠٤ اجازت ﻟﻤﺠالس المحافظات تحصيل العائدات عن طريق فرض ضرائب ورسوم، وحيث أن البند (أولاً) من المادة ( ٢٨ ) من الدستور قضت أن لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل ولا تجبى ولا يعفى منها إلاّ بقانون، وحيث أن القانون وفقاً للمفهوم الوارد في الدستور هو ما يتماشى مع آلية التشريعات المتعلقة بفرض الضرائب والرسوم أن يتضمن تفاصيل عن الضرائب والرسوم ونوعها والخاضعين لها، وتأسيسا على ما تقدم من أسباب يرى اﻟﻤﺠلس: - لا يجوز ﻟﻤﺠالس المحافظات فرض واستيفاء الضرائب والرسوم إلاّ بقانون يحددها وللمجلس رأي في هذا المآل بقراره المرقم ب( ٥٤ ) في ١٩ / ٧/ ٢٠٠٧ .

كما لعب القضاء دوراً متميزاً في توضيح مفهوم القاعدة الدستورية (لا رسم إلاّ بقانون)، وتعددت الاحكام الصادر عن

القضاء التي تناولت جوانب مختلفة من هذه القاعدة، بحيث أرست بعض المبادئ القضائية ذات الصلة، ومنها: ضرورة أن يمنح القانون للسلطة التنفيذية صلاحيات واضحة بخصوص تعديل معدلات الرسوم حتى تملك تلك السلطة هذه الصلاحية، وإن صلاحية تحديد المعدلات أو تعديلها شيء، وصلاحية سن أو فرض الرسم شيء آخر وهو ما يحدده القانون (قرار محكمة التمييز الأردنية، جزاء رقم ٢٦ / ١٩٩٩ )، وضرورة أن تكون الجهة التي تقوم بفرض الرسوم مخولة بذلك بنص القانون (قرار محكمة التمييز الأردنية، جزاء رقم ٨٣ / ١٩٥٩ المنشور في مجلة نقابة المحامين الأردنية لسنة ١٩٥٨ ، ص ٦١٣ )، وإمكانية قيام السلطة التنفيذية بتحديد مقدار الرسم بنظام إذا كانت مخولة بذلك بموجب نص القانون، وإذا جرى فرض رسم بموجب قانون أناط بالسلطة التنفيذية حق تحديد مقدار الرسم فإن النظام الموضوع لهذا الغرض يعتبر تنفيذاً للقانون وليس خروجاً عن المادة ( ١١١ ) من الدستور التي نصت على أن الضريبة أو الرسم لا يفرض إلاّ بقانون ( قرار محكمة التمييز الأردنية/ تمييز حقوق رقم ٤٥٨ / ١٩٦٤ في ٥/ ١/ ١٩٦٥ منشور في مجلة نقابة المحامين لسنة ١٩٦٥ ، ص ٤٩٩ ).

وذهبت المحكمة الإتحادية العليا في العراق بقرارها المرقم ( ١٦ / اتحادية/ ٢٠٠٨ ) المؤرخ في ٢١ / ٤/ ٢٠٠٨ ، إلى حق مجالس المحافظاتغير المنتظمة بإقليم في سن القوانين والقرارات الخاصة بفرض وجباية وإنفاق الضرائب والرسوم والغرامات والضميمة المحلية، بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، و التشريعات المحلية هي التشريعات التي تصدرها مجالس المحافظات لتنظيم شؤون المحافظة الإدارية والمالية ولا يتعدى نفاذها خارج حدود تلك المحافظة، ويجب ألاّ تتعارض مع الدستور أو مع القوانين الإتحادية وكذلك ألاّ تتعدى تنظيم شؤون المحافظة المالية والادارية وفقاً للمادة ( ٧ / ثالثاً) من قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٨ .

مدى تعارض نص المادة ( ١٨ /أولاً) من قانون الموازنة لعام ٢٠١٨ مع الدستور.

حيث أن نص المادة ( ١٨ /أولاً) من قانون الموازنة العامة الإتحادية لعام ٢٠١٨ جاء بنحو عام يشوبه الغموض وعدم التحديد، مخولاً السلطة التنفيذية ممثلة بالوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات كافة سلطة واسعة في فرض رسوم أو أجور خدمات جديدة وتعديل الرسوم وأجور الخدمات الحالية باستثناء الرسوم السيادية، وذلك بتحديد أسس وفئات وأنواع الرسوم، وأن هذا كله اختصاص معقود للسلطة التشريعية، مما يصم هذا النص بمخالفة المادة ( ٢٨ ) من الدستور.

وحيث أنه لما كان نص المادة ( ٢٨ ) من الدستور، يجري على أن: (لا تفرض الضرائب والرسوم، ولا تعدل، ولا تجبى، ولا يعفى منها، إلاّ بقانون)، وحيث جرى الفقه الدستوري على التمييز بين عبارتي (فرض الرسوم بقانون) و (فرض الرسوم بناء على قانون) أو (فرض الرسوم في حدود القانون)، وأن هناك ثمة فرقا شاسعا ومهما بین عبارة (فرض الرسوم بقانون) وبين فرضها (بناء على قانون)، فالقول بأنها لا تفرض إلاّ بقانون يعني أن الرسوم لا تُقرَّر إلاّ بقانون صادر من السلطة التشريعية ليقررها، وأن السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب يتعذر عليها من الناحية الدستورية أن تفوض السلطة التنفيذية ممثلة بوزاراتها وجهاتها غير المرتبطة بوزارة والمحافظين، تفويضا بفرض الرسوم وتنظيم أوضاعها، وتحديد نوعها وتقدير قيمتها أو نسبتها؛ وذلك لأنه یُعتبر، بهذه المثابة، تنازلاً من سلطة عن صلاحياتها إلى سلطة أخرى. على حين أن عبارة (فرض الرسوم بناء على قانون)، يفيد بأن الدستور قد جعل الاختصاص بفرض هذه الرسوم مشتركا بي كلٍّ من السلطتين التشريعية والتنفيذية تمارسانه معا، وتتعاضدان في بلوغ غاية الأمر منه، تأكيدا لإتاحة الفرص المتكافئة للحصول على الخدمات العامة التي تؤديها الدولة، وحؤولاَ دون أن ترتد الرسوم مجرد وسيلة جباية لا تقابلها خدمة حقيقية، أوتنحل إرهاقا لكاهل المنتفعين بهذه الخدمات، وإملاقا لهم على غير مقتضيات العدالة، من منظور اجتماعي، فالسلطة التشريعية هي التي تنشئ الرسوم – بقانون تصدره – ثم تفوض السلطة التنفيذية في بیان تفصیلاته وتحديد جزئياته، وذلك كله تحقيقا للمرونة اللازمة في فرض الرسوم ﻟﻤﺠابهة الظروف المتغيرة في تكالیف أداء الخدمة، طالما أن فرضها أو تعدیلها لا یكون بقانون في كل حالة على حدة، وإنما یتم ذلك بقرار من السلطة التنفيذية في حدود القانون، أي في ضوء الأسس والملامح الرئيسة التي وضعتها السلطة التشريعية.

وأن الدستور بدوره قد مايز بين العبارتين المذكورتين، إذ استعملت نصوص الدستور عبارة (ينظم بقانون) في عدة مواضع منه، وعبارة (أو بناء عليه)، كما ورد في نص المادة ( ٤٦ ) منه، ولو أراد المشِّرع الدستوري أمكانية فرض الرسوم بناء على قانون لأورد ذلك صراحة كما فعل في المادة ( ٤٦ ) من الدستور ، ومن المعلوم بأن لكل عبارة في الاصطلاح القانوني مدلولاً محدداً، ومؤدى ذلك أن المشرِّع الدستوري بهذه التفرقة في الأداة، قد جعل القانون وسيلة وحيدة ومصدراً مباشراً، بالنسبة للرسوم، فالسلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها زمام الرسوم، وتتولى بنفسها تنظيم أوضاعها، وتفصيل ما يتصل ببنيانها، فالرسوم بموجب النص الدستوري الوارد في المادة ( ٢٨) منه، من اختصاص المُشرع، ینظمها بالقواعد التي یرتئیها مناسبة باس ً طا هیمنته علیها- إنشاء للرسم وتحديدا لنسبه القصوى-، فإذا ما فوضت السلطة التنفيذية بشأنها – فرضاً أو تعديلاً أو الغاء– فإنها تكون قد، تحیفت حدود الدستور واجترأت على نواهيه، وتر ّ دت بالتالي في حمأة مخالفته.

متى ما كان ذلك، وكان نص المادة ( ١٨ / أولاً) من قانون الموازنة العامة الإتحادية لعام ٢٠١٨ قد جرى على أنه : (للوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات كافة صلاحية فرض رسوم أو أجور خدمات جديدة وتعديل الرسوم وأجور الخدمات الحالية باستثناء الرسوم السيادية المقرة بموجب القوانين الإتحادية النافذة وفق ضوابط يصدرها الوزير اﻟﻤﺨتص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة أو المحافظ)، ومؤدى ذلك أن السلطة التنفيذية ممثلة بالوزارات والجهات عير المرتبطة بوزارة والمحافظات هي اﻟﻤﺨتصة وحدها دون غيرها بإصدار ضوابط فرض رسوم أو أجور خدمات جديدة وتعديل الرسوم وأجور الخدمات الحالية باستثناء الرسوم السيادية، فإنه يضحى أكيداً أن نص المادة ( ١٨ /أولاً) من قانون الموازنة العامة الإتحادية لعام ٢٠١٨ قد صدر باﻟﻤﺨالفة لما تقضي به المادة ( ٢٨ ) من الدستور التي جعلت الاختصاص بفرض الرسوم من سلطة مجلس النواب، ذلك أنه متى عهد الدستور إلى جهة معینة باختصاص ما، استقل من عینه الدستور دون غیره بممارسته ، وإلا تمحض الأمر انتحالاً للاختصاص، وغصبا للسلطة، ومن ثم فإن نص المادة ( ١٨ /أولاً) من قانون الموازنة العامة الإتحادية لعام ٢٠١٨ المطعون عليه قد صدر معیبا من الناحية الدستورية لصدوره خلافاً للدستور، وأن أيّة ضوابط يصدرها الوزير اﻟﻤﺨتص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة و المحافظ بشأن فرض الرسوم ستكون بدورها صادرة عن سلطة غیر مختصة، وستكون متحیفة حدود القانون متردية بذلك في حمأة عیب عدم المشروعية. 

ووفقاً للمادة ( ٢٨ ) من الدستور التي صاغها المشرِّع الدستوري بكل اتقان، فإن جزءا لا يستهان به من الرسوم التي تفرضها الحكومة من خلال وزاراتها والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات تُعدَّ غير دستورية من ناحية أن الكثير من الرسوم تفرض بدون بقانون جديد، وبدون الرجوع ﻟﻤﺠلس النواب.

وفي ختام هذا التعليق، نؤكد ضرورة قيام المعنيين في الحكومة بملاحظة كثرة الرسوم؛ حيث تخضع تقري ً با كل خدمة تقدمها الحكومة للمواطن لرسم، وقد بالغت بعض المؤسسات الحكومية كثيراً في مستوى تلك الرسوم، مع ضعف الأداء الحكومي، وضعف مستوى تلك الخدمات من حيث الأصل، الأمر الذي الحق الضرر البالغ بالمواطنين وأثقل كاهلهم، مع أن الأصل أن الإيرادات النفطية هي مصدر دخل الدولة الرئيس، ويجب أن تقدم الخدمات ممولة بالإيرادات النفطية وغيرها من الإيرادات المتوافرة، لذا لا داعي لفرض رسوم إضافية ما دامت الخدمات المقدمة اعتيادية – في أفضل الأحوال– وليست متميزة أو خارجة على العادة .

 

مواضيع ذات صلة