آخر الاخبار

shadow

ولاية المحكمة الاتحادية العليا في ضمان حقوق الأجيال القادمة

أ.د. علي هادي عطية الهلالي / عميد كلية القانون - جامعة بغداد

    تسري ولاية القضاء الدستوري على ضمان النصوص الدستورية الواردة في الوثيقة الدستورية ، ويعمل على كفالة الحقوق والحريات وضماناتها الواردة فيها ، لذا إن كان الشعب مصدر السلطات ((1)) عليه يكون الشعب مصدرا للقيم الدستورية ووسيلة لإقرارها من خلال الاستفتاء الدستوري ، لذا لا نقاش من كون المضامين الدستورية ثمرة ضغوط شعبية جماهيرية الزمت المشرع الدستوري أن يصهر ما يصبو اليه الشعب وبخاصة الشعب السياسي "المشارك بالاستفتاء الدستوري" في وثيقة الدستور .

     ولكن النقاش يبدو واقعياً ومنطقياً عن مدى ضمانة الدستور لحقوق الأجيال القادمة ، فالأجيال القادمة لم تكن مشاركة في بناء الدستور الحالي ، فضلاً عن كون طموحاتها ومتطلباتها والقيم الدستورية التي ستؤمن بها لاحقاً متغيرة أو متطورة وربما لا تتطابق تماماً مع ما نجح في تحقيقه الجيل الذي عاصر بناء الوثيقة الدستورية ، لذا يبدو أن أمام الجيل القادم مسارين : إما أن يرمم الدستور ويعمل على تعديله أو تبديله وهذا المنحى قد يكون عسيراً ، أو قد يستظل بالحماية القضائية الدستورية ويطلب امتداد ولايتها على ضمان حقوقه بأنواعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها .

   إن ركون الجيل القادم الى القضاء الدستوري مستمطراً غمام ولايته القضائية قد يبدو يسيراً كلما نص الدستور الحالي "صراحةً" على حقوق الأجيال القادمة وحرياتهم مثلما سار في هذا النهج الدستور التونسي ((2))، والمصري((3)) ، ولكن قد يواجه القضاء الدستوري نقصاً كاملاً أو مبتسراً في ضمان حقوق الأجيال القادمة ، إذ قد يخلو الدستور من ضمانها صراحةً أو قد يكون قد اكتفى بالإيماء اليها إشارة .

    لذا يواجه المحكمة الاتحادية العليا تحدياً صعباً في امتداد ولايتها لضمان حقوق الأجيال القادمة ، وتكمن الصعوبة في خلو دستور جمهورية العراق من نص صريح يضمن للأجيال القادمة ما تضمنه الدساتير المقارنة لها كما مر في المثالين التونسي والمصري ، لذا تستطيل ولاية المحكمة الاتحادية في ضمان حقوق الأجيال القادمة من خلال التحري عنها بدلالات النصوص الدستورية واشاراتها ، إذ لم يتردد المشرع الدستوري العراقي  من تكرار النص على لفظ "المستقبل" في الديباجة ، ولم يتوانى من التصريح بحقوق  "النشىء" ((4)) الدال في معناه اللغوي والاصطلاحي على الجيل الجديد ، وبتحري ضمانات أخرى للأجيال القادمة لا مشاحة من استنباط حقوق الأجيال القادمة بالموارد والمقدرات الاقتصادية وتفريعها من واجب الدولة بإصلاح الاقتصاد ، وواجبها في استثمار الموارد كافة ، وواجبها في تنويع مصادره ((5)) ، كما يبدو منطقياً بضمان حق الأجيال القادمة في بيئة سليمة من خلال تفريعه من واجب الدولة بحماية البيئة والتنوع الاحيائي والحفاظ عليهما ((6)) .

    ولكن إن كان الاستنباط المتقدم قد يستند الى أسس منطقية ويستلهم من حقوق مكفولة صراحةً حقوقاً أخرى لا تنفك عنها وتعد من نتائجها وخواتيمها النهائية بيد أن المحكمة الاتحادية العليا قد تواجه تحدياً اجرائياً يحول من دون الاستدلال المتقدم كلما تمسكت بشرط المصلحة الشخصية المباشرة بمفهومها التقليدي في قبول الدعاوى امامها ، إذ لا مناص من قبول الدعاوى الدستورية المتضمنة طلب امتداد ولاية المحكمة الاتحادية لضمان حقوق الأجيال القادمة بشرط  تخلي المحكمة عن التقيد بمفهوم شرط المصلحة في قبول الدعوى المحدد لولايتها العامة في ضمان علو الدستور وسموه بما يضمن الحقوق والحريات للجيل الحالي والقادم ، فلا مندوحة أن تتحرى المحكمة امتداد ولايتها بما يضمن حقوق الأجيال القادمة وأن تسعى الى تحرير قبول الدعاوى المتضمنة لهذا المضمون استناداً الى المصلحة العامة ((7)) ، إذ يمكن أن تقبل الدعوى من الأشخاص الساعين لضمان تلك الحقوق طالما أن الجيل القادم لم يكن حاضراً وقت إقامة الدعوى ، لذا يمكن قبول الدعوى من منظمات أو جمعيات أو مؤسسات تسعى من ضمن ما تسعى اليه من اهداف وغايات هو ضمان حقوق الأجيال القادمة .

   إن التردد في قبول الاستدلال المنطقي المتقدم يستلزم استظهار إرادة الجيل الحالي في حجب حقوق الجيل القادم عند موافقته على إقرار الدستور ، إذ لا يمكن قبول ذلك استناداً الى الظن المجرد بل يتطلب اليقين ، فالجيل القادم امتداد للجيل الحالي ويتساوى معه في المراكز القانونية التي يرتبها الدستور ، فمهمة الدساتير استشراف المستقبل ولا تردد في غاياتها الى الماضي ولا تعكف على الحاضر فقط .

((1)) المادة/5 من دستور 2005 .

((2)) المادة/42 دستور 2014

((3)) المادة/32 دستور 2014 .

((4)) المادة/المادة 29 –أولاً – ب /دستور 2005

((5)) المادة/25 دستور 2005

((6)) المادة /33 – ثانياً دستور 2005

((7)) أد. علي هادي الهلالي . المباحث الموضحة لذاتية شرط المصلحة في تحريك الدعوى الدستورية ، المركز العربي /القاهرة ، ط 1 ، 2018 ، ص 171 .          

مواضيع ذات صلة