آخر الاخبار

shadow

المحكمة الاتحادية العليا ومواجهة الانحراف التشريعي

د.احمد طلال عبد الحميد البدري

     اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها المرقم (46/ وموحدتها 50و51/ اتحادية/2020) في 27/10/2021 حيث تضمن القرار المذكور عدم دستورية بعض العبارات والمواد الواردة في قانون اسس تعادل الشهادات والدرجات العلمية العربية والاجنبية رقم (20) لسنة 2020 ،  وهو يعد من القرارات المضيئة التي تضاف الى سلسلة قراراتها المهمة الاخرى بأعتبارها المؤسسة الدستورية الحامية للدستور وقد اثبت المحكمة في قرارها انف الذكر دعمها لمبدأ الرصانة العلمية ومبدأ استقلال الجامعات والحق بالتعليم ورسم السياسية التعليمية والتربوية العامة والحق في تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات والمساوات في فرص التعليم العالي ، الا انه يمكن ان نلاحظ ان المحكمة قد اشاحت بنظرها عن نص المادة (12/اولاً) منه التي نصت على ان ( للموظف او المكلف بخدمة واعضاء مجلس النواب والوزراء ومن هم بدرجتهم او الوكلاء ومن هم بدرجتهم والمديرين العامين ومن هم بدرجتهم والدرجات الخاصة العليا بموافقة دوائرهم الدراسة اثناء التوظيف او التكليف على النفقة الخاصة او اجازة دراسية للحصول على الشهادة الاولية او العليا داخل العراق او خارجه بصرف النظر عن العمر)هذا النص يعبر عن عن نوايا المشرع الحقيقية التي دفعته لاصدار هذا القانون ، ولنا على هذا النص الملاحظات الاتية :

  1. 1.    ركاكة الصياغة القانونية والحشو في النص وتقديم المتاخر على المتقدم اذ يجب تعداد الفئات في هذا النص كلاتي (الموظف ، المكلف بخدمة عامة ،الدرجات الخاصة ، المدراء العامون ، الوكلاء ، الوزراء ، اعضاء مجلس النواب ) ولم يشر النص الى مدى شمول اعضاء مجلس الاتحاد في حال تشكيله ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء .
  2. 2.    هذا النص اطاح بمبدأ عدم جواز الجمع بين الدراسة والوظيفة والذي يترتب علية وجوب استحصال اجازة دراسية وفق تعليمات منح الاجازات الدراسية رقم (165) لسنة 2011 لان الوظيفة تستوجب التفرغ التام للاعمال الوظيفية وكذلك الحال بالنسبة للدراسة تحتاج الى التفرغ العلمي والانتظام بالحضور واعداد البحوث والامتحانات ..الخ ، وهذا الحكم ممكن ان يكون مقبولاً بالنسبة لبعض الدراسات العليا كدراسة الدكتوراه البحثية  التي لا تتطلب الانتظام بالحضور شريطه ان تكون الجهة المانحة للشهادة معترف بها من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، وهذه الفقرة حري بالمحكمة الغائها وبامكان الفئات المذكورة ان ان يتقدموا للدراسات العليا بعد انتهاء شغلهم لهذه المناصب او الاستقالة والالتحاق بالدراسة بعد توفر شروط منح الاجازه الدراسية وفقاً لمبدأ المساواة امام القانون الذي نصت عليه المادة (14) من الدستور ومبدأ تكافؤ الفرص الذي نصت عليه المادة (16) من الدستور، اذ ان منح هذه الفئات امتيازات للحصول على شهادات عليا خلافاً للقواعد المقررة لغيرهم من شانه الاخلال بهذا المبدأ والتعدي على فرص الاخرين ، فضلا عن اخلال هذا النص بمبدأ انتظام سير المرافق العامة لان الوزير او النائب او المدير العام اوذوي الدرجات الخاصة الذي يجمع بين مهام عمله وبين الدراسة سيخل حتماً باحد الالتزامين وهذا بالنتيجة سيضر بالمصلحة العامة .
  3. 3.    تضمن هذا النص استثناءاً جديداً عندما اباح لهذه الفئات الالتحاق بالدراسة اثناء التوظف او التكليف بصرف النظر عن العمر وهذا الاستثناء بحد ذاته يعد خرقاً لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص اذ حرم الكثير من الموظفين بالسابق من فرصة اكمال دراساتهم العليا بسبب العمر او بسبب عدم جواز الجمع بين الوظيفة والدراسة الذي اعتمدته وزارة المالية في تعاميمها وقرارات مجلس الدولة وديوان الرقابة المالية وتعرض الكثير من الموظفين الى عقوبات انضباطية ومنعت احتساب شهاداتهم في السابق بسبب تطبيق هذا المبدأ .
  4. 4.    ان هذا النص يمثل انحرافاً تشريعياً بيناً لان مجلس النواب قد انحرف في استعمال سلطته التشريعية فبالرجوع الى طبيعه التشريع يجب ان يتضمن القانون قواعد عامة ومجردة تنطبق على من يتوفر فيهم شروط انطباقها في حين ان غاية المشرع الخفية تقرير امتيازات لاعضاء مجلس النواب والوزراء والدرجات الخاصة وهذا شكل خرقاً لبعض الحقوق كالمساواة وتكافؤ الفرص وهي قيود موضوعية ذات طابع مطلق لاتقبل التقييد وان كان بعضها يقبل التنظيم بما لايشكل انتهاك لجوهر هذه الحقوق والحريات ، فالدستور يتضمن مبادىء عليا تسوده وتهيمن على احكامه وهذه المبادىء تمثل روح الدستور التي تستخلص استخلاصاً موضوعياً من نصوصه، وحيث ان عيب الانحراف التشريعي هو عيب غائي يستهدف البحث عن غاية اوهدف المشرع من التشريع وهو تحقيق الصالح العام فان صدور اي تشريع لا يستهدفها او يستهدف غايات اخرى منبته الصلة بالمصلحة العامة كتحقيق منافع وامتيازات شخصية او حزبية او فئويه فان التشريع يكون معيباً بعيب الانحراف في استعمال السلطه التشريعية .

 

  1. 5.    يعد الانحراف التشريعي من أخطر العيوب التي تصيب التشريع فهو عيب خفي ومستتر لأن التشريع يكون في ظاهره الصحة وفي باطنه البطلان، وهو عيب احتياطي لانه يتعلق بغاية مُصدر القانون وفكرة الانحراف التشريعي مستمدة من فكرة الانحراف بالسلطة الذي استخدمه الفقيه الفرنسي (Aucoc) أول مرة للتعبير عن استعمال رجل الادارة السلطة التقديرية لاتخاذ قرار في حدود اختصاصه لتحقيق غاية اخرى غير تلك التي منح من اجلها السلطة، ثم استخدم الفقيه (Barthelme ) مصطلح الانحراف التشريعي عندما صدر تشريع عام 1907 يتضمن عقوبة مقنعة لمجندي فرقة المشاة 17 وان كان التشريع في ظاهره يتصف بالعمومية والتجريد ، لذا ندعو المحكمة الاتحادية العليا مد نطاق رقابتها على دستورية القوانين لتشمل عيب الانحراف في استعمال السلطه التشريعية وان لا تتهيب الركون اليه باعتباره عيب خفي يصعب اثباته ولاسيما اذا كان بيناً ، وانعدمت عيوب التشريع الاخرى ،...والله ولي التوفيق .

مواضيع ذات صلة