آخر الاخبار

shadow

عدم دستورية قانون النفط والغاز... واشكالية ادارة توزيع الثروات الوطنية

د.احمد طلال عبد الحميد البدري

  اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها في الدعوى (59/ اتحادية /2022) وموحدتها ( 110/اتحادية / 2019) بتاريخ 15 /2 /2022  والذي يقضي بعدم دستورية  قانون النفط والغاز لحكومة اقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007 والغائه لمخالفته احكام المواد (110و111و112و115و121/اولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 مع عدة فقرات حكمية ملزمة يتوجب علىى وزارة النفط الاتحادية وسلطات الاقليم اتباعها تنفيذاً لهذا القرار، مع توجيه المدعي العام (اضافة لوظيفته ) بمتابعه بطلان التعاقدات النفطية التي ابرمتها حكومة الاقليم ، ومن دون الخوض في حيثيات القرار الذي نراه من حيث النتيجة صحيحاً وموافقاً لاحكام الدستور، هذا الدستور الذي ساهم الاطراف السياسية ومنهم سياسي الاقليم في وضعه والذي اعطى وضعاً خاصاً للاقليم لاعتبارات تاريخية وسياسية وعرقية كضمانة للاشتراك بالعملية السياسية ومن هذه الضمانات اقرار النظام الاتحادي لاعطاء الاقليم اللامركزية السياسية وحرية التصرف في شؤون وسياسات الاقليم ، طبعاً في حدود الدستور والقوانين الاتحادية ، وقد تحملت المحكمة الاتحادية العليا بقرارها مسؤولية حسم هذا الملف ( السياسي _ الاقتصادي _ الدستوري ) نيابة عن المجالس النيابية المنتخبة والحكومات المنبثقه عنها التي اخفقت عن حسمه طيلة الدورات السابقه ، كما تحملت المحكمة الاتحادية العليا مسؤولية اخفاق الدستور في معالجة موضوع توزيع الاختصاصات بين الحكومة الاتحادية والوحدات الاتحادية ، وما لحقها من عدم عدالة وسوء  توزيع الثروات الوطنية  بسبب التناقض في نصوص الدستور وهذا ما سنتاوله فيما يأتي :
1. حددت المادة (110) من الدستور اختصاص السلطات الاتحادية على سبيل الحصر ومن هذه الاختصاصات رسم السياسات الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية ورسم السياسة المالية والكمركية والنقدية ...الخ ، وحددت المادة (114) من الدستور الاختصاصات المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والتي ليس من بينها ادارة النفط والغاز والموارد الطبيعية عدا الموارد المائية الداخلية ، وتركت ماعدا ذلك من اختصاصات للاقاليم ، وهذا تقسيم نادر الركون اليه في الانظمة الاتحادية فالاصل تحديد اختصاصات الاقاليم او الولايات او الكانتونات على سبيل الحصر وما عدا ذلك يكون من اختصاص الحكومة الاتحادية وهذا يشكل انحرافاً في اسس النظام الاتحادي الذي اعتنقه الدستور، وحسبنا ان نشير الى دساتير الدول النفطية كالدستور الفنزويلي لعام 1999 والعدل عام 2009 الذي نص على انفراد السلطات الاتحادية بادارة واستغلال جميع المناجم المعدنية وحقول النفط اينما وجدت حتى لو وجدت تحت قاع البحار الاقليمية اوفي المناطق القارية العائدة لفنزويلا ، كما نص الدستور البرازيلي لسنة 1988 المعدل عام 2014 على تمتع سلطات الاتحاد باحتكار تنقيب واستغلال رواسب البترول والغاز الطبيعي وتكرير النفط واستيراد وتصدير منتجاتها.
2. افرد الدستور في المادة (112) منه نص خاص لم يرد في الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية ولا في الاختصاصات المشتركة مع الاقليم يعالج موضوع ادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية ، حيث جعل النص المذكور ادارة النفط والغاز مشترك بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات المنتجه له مع النص على توزيع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد مع تحديد حصة محددة للاقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفه من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك ، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفه من البلاد على ان ينظم ذلك بقانون ، وهذا النص يثير عدة اشكاليات منها ان الموارد الطبيعية والثروات الوطنية لاتقتصر على النفط والغاز فلماذا التحديد لهذين العنصرين من قبل واضع النص ، كما ان الاشارة  الى استخراج هذين العنصرين (النفط والغاز) من الحقول (الحالية) يكشف عن اخفاق واضع النص في صياغتة ، لان احتمال اكتشاف حقول مستقبلية وارد جداً وهذا ما حصل بالفعل في اقليم كردستان العراق ، اذ اورد وكيل المدعى عليه في هذه الدعوى دفوع تشير الى ان التصرف بالنفط والغاز لايخص الحقول القائمة وقت وضع النص (الحالية) وانما استخرجت من حقول مكتشفه لاحقاً (مستقبلية) ، وبصرف النظر عن صحة هذا الدفع من عدمه ، فأن عيب صياغة هذه المادة اعطى مثل هذه الثغرة ، والاهم من كل ذلك الامتناع التشريعي لمجلس النواب عن سن قانون ينظم استغلال هذه الموارد، اذ كان من الواجب عليه سنه استناداً للنص الامر في المادة (112) من الدستور التي نصت ( وينظم ذلك بقانون) ، وهذا الاخفاق من جانب مجلس النواب في سن هذا القانون هو الذي الذي دفع الاقليم لسن قانون لاستغلال الموارد بشكل منفرد دون اخذ مشورة السلطة المركزية ، وتحملت المحكمة الاتحادية العليا مسؤولية اعادة الامور الى نصابها ، وكنا نتأمل من المحكمة الاتحادية العليا ان تضمن فقراتها الحكمية الملزمة فقرة توعز بها الى مجلس النواب لسن هذا القانون خلال مدة محددة .
3. ان قانون النفط والغاز لحكومة اقليم كردستان رقم (22) لسنة 2007 قد صدر مخالفاً لمبدأ علوية القوانين والدستور الاتحادي ، وهذا سببه اخفاق واضعي الدستور في تكريس مبادىء النظام الاتحادي ، عندما نصت المادة (115) منه ( كل مالم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ، والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم ، تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف بينهما ) ، وبموجب هذا النص اعطى المشرع الدستوري الاولوية لقانون الاقليم في حال الخلاف مع المركز في الاختصاصات التي لاتقع ضمن نطاق الاختصاص الحصري للحكومة الاتحادية او المشتركة مع الاقاليم ، وهو بذلك خرق مبدأ اولوية القوانين الاتحادية ، وكان المشرع الدستوري بغنى عن هذا النص لوحدد الاختصاصات الحصرية للاقاليم (الولايات) على سبيل الحصر وترك ماعدا ذلك للحكومة الاتحادية وليس العكس ، وقد احسنت المحكمة الاتحادية عندما عالجت هذه الاخفاقات الدستورية من خلال تفسير الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية بصورة شاملة تنسجم مع طبيعه النظام الاتحادي الذي اعتنقه الدستور بالاسم وخالفه في الاحكام، كما تضمنت المادة ( 121/ثانياً) من الدستور خرقاً لمبدأ اولوية التشريعات الاتحادية اذا اعطت الاولويه لقانون الاقليم في التطبيق في حال تعارضه مع القانون الاتحادي .
4. واخيراً لابد من الاشارة الى ان قانون تنظيم وزارة النفط رقم (101) لسنة 1976 شرع عندما كان العراق دولة بسيطة موحدة وليس اتحادية لكنه يعد نافذاً استناداً للمادة (130) من الدستور ، وهنا يمكن ان نؤشر اخفاقاً جديداً للسلطة التشريعية لانها لم تجري مراجعة تشريعية للقوانين المهمة والمثيرة للخلاف ومنها هذا القانون رغم مرور اكثر من (15) سنة على صدور الدستور ، فضلاً عن عدم تنظيم استغلال النفط والغاز وتوزيع الثروات بصورة عادلة حسب مقتضيات نص المادة (112) من الدستور ، لذا ندعو مجلس النواب الى اخذ مسؤولياته التشريعية واجراء مراجعه تشريعية للقوانين التي تنظم استغلال الثروات المعدنية والطبيعية والحيوانية وذلك بعد تعديل النصوص الدستورية التي اشرنا اليها اعلاه .
5. على الحكومة التحادية تفعيل قانون الهيئة العامة لمراقبة تخصيص الوارادات الاتحادية رقم (55) لسنة 2017 والاستفادة من الوسائل المنصوص عليها في هذا القانون ( التحقق ، المتابعه ، التحري ، الاستشارة ، مفاتحة الجهات المعنية ) لتحقيق اهداف هذا القانون المتمثلة بعدالة توزيع الواردات الاتحادية الغائب رغم مرور مدة على تشريعه .
لما تقدم ندعو مجلس النواب والنخب القانونية الفاعلة الى اجراء التعديلات الدستورية بشكل يتطابق مع مبادىء النظام الاتحادي وتنظيم الاختصاصات وفقاً لها ومن ثم العمل على سن قانون ينظم ادارة و توزيع الثروات الوطنية بصورة عادلة بما يحقق التنمية المستدامة ...والله الموفق

                                                           بغداد 20 /2 / 2022

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة