آخر الاخبار

shadow

مجلس النواب بين التعطيل الفعلي و الحل الواقعي

أ.د. علي هادي عطية الهلالي عميد كلية القانون – جامعة بغداد

   رغم أن السلطة التشريعية المصدر في تشكيل باقي السلطات وبخاصة السلطة التنفيذية ، بيد أنها أضحت بين معنى التعطيل و مظاهر الحل من النواحي الدستورية والقانونية والواقعية ، حتى وهنت مكنتها في تقرير العمل القانوني وممارسة الدور الرقابي ، ويقف من وراء ذلك سببان : أما السبب الأول : فيرجع الى تفسير المحكمة الاتحادية العليا لحكومة تسيير الأمور اليومية ، المتضمن عصمتها عن نتائج الرقابة التشريعية وبخاصة وسائل المحاسبة الدستورية ، حتى بات العمل البرلماني الرقابي مشلولاً رغم أنه من أخص المهام للسلطة التشريعية((1)) ، حيث وكدت المحكمة ذلك بعبارات عدة منها :" إن العلة في ذلك التحول هو عدم إمكانية ممارسة الرقابة عليها بعد حل البرلمان لأنها تصبح رقابة مجردة من سلطة العقاب " ((2))، بل أن المحكمة انكرت على مجلس النواب الحالي ممارسة الرقابة الدستورية الفعلية على حكومة تسيير الأمور اليومية ، وافرغت نتائج الرقابة البرلمانية من أية قيمة دستورية أو قانونية حيث قضت:" إذ لا يجوز سحب الثقة من حكومة لا تمتلك تلك الثقة أصلاً ويصبح موضوع سحب الثقة من حكومة تصريف الاعمال عديم الفائدة من الناحية القانونية والسياسية ولا يكون لها أهمية تذكر سوى من الناحية الأدبية " ((3)) ، ونتيجة الاجتهاد القضائي للمحكمة الاتحادية انحصرت سلطة مجلس النواب في حيز العمل البرلماني الذي يفتقد الى الآثار التي رتبها الدستور على الاختصاص الرقابي للمجلس ، وباتت نتائج الرقابة والمحاسبة للحكومة محركة للرأي العام ومؤدية الى الاحراج السياسي والشعبي ليس إلا ، لذا كان من المتوقع أن ينصرف مجلس النواب الى العمل التشريعي .

   أما السبب الثاني : فيرجع الى العصف الذي أصاب تشكيلة المجلس نتيجة طلب الاستقالة الجماعية لكتلة برلمانية ممثلة ب ( 73 ) نائباً في 12-6-2022 ، ورغم أن طلب الاستقالة اقترب من معنى طلب حل مجلس النواب ، بيد أن التعامل البرلماني الرسمي معه كان بحدود معنى الاستقالة رغم اختلاف طبيعته ومبرراته ونتائجه عن المعنى الدستوري والقانوني للاستقالة ؛ ولكن في أي الأحوال والتفاوت بالمعنى بين الاستقالة وطلب الحل يبقى الانسحاب الجمعي مؤدياً الى اختلال في صحة تشكيلة مجلس النواب دستورياً ، وبخاصة بعد قبول طلب الاستقالة الجماعية ، مما يؤثر في صحة استمرار تشكيله وايهان لسلطته التشريعية بعد أن فقد سلطته الرقابية ، وبخاصة أمام هلامية احتساب الأغلبية في انعقاده واتخاذ قرارته .

  إن التحليل المتقدم مؤسس على دعائم دستورية ويرتب نتائج دستورية وقانونية ربما ستقف عندها المحكمة الاتحادية العليا بالتحليل القضائي المعمق لاحقاً ، ومن أبرز تلك الدعائم وأخص تلك النتائج هو :

  إن الدستور حدد الشرط العددي لصحة تكوين مجلس النواب ، وأوجب أن يكون عديده ناتجاً من تمثيل مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس الشعب العراقي بأكمله((4)) ، وقد قضت المحكمة الاتحادية العليا "ضمنياً" بدستورية العدد الكلي لمجلس النواب الذي حدده قانون الانتخابات ب: (329) ، ولم تتصدى الى التشكيك بمطابقته لصريح الدستور وروحه في تأليف مجلس النواب((5)) ، عليه يكون تشكيل مجلس النواب متوقفاً على شرط اكتمال العدد المذكور وبخاصة أن المحكمة الاتحادية رتبت على تحقق شرط تمام العدد صحة الجلسة الأولى وما تبعها من جلسات ((6)) ، فيكون ،بحسب الاستنتاج من مفهوم المخالفة، تشظي العدد وانسحاب (73) نائباً من المجلس موجبا للتشكيك ببقاء دستورية تشكيل مجلس النواب بعد تاريخ 12-6-2022 والى حين عودة التشكيل بتحقق الشرط الذي اقرته المحكمة .

   إن ما يستوثق الرأي المتقدم هو : رؤية المحكمة الاتحادية العليا الى تراتبية عمل مجلس النواب الذي يبتدأ بجلسته الأولى  باختيار هيأة الرئاسة له ، وهذه الرؤية تتطابق مع صريح الفاظ الدستور((7)) ، واستقلال هذه الجلسة بأطرها الدستورية والقانونية ونتائجها عن الجلسات اللاحقة للمجلس ، وتطابقت رؤية المحكمة مع ما جرى عليه العرف الدستوري في العراق باطراد العمل على اختيار هيأة الرئاسة بالجلسة الأولى وبتوليفة تمثل التنوع (المذهبي والقومي ) في العراق ، لذا يحق التساؤل عن مدى عد استقالة عضواً أو نائباً في هيأة الرئاسة موجباً للعودة الى ما يجب أن يمارسه المجلس في الجلسة الأولى كاملاً غير منقوص على اعتبار استقلاليته الدستورية والقانونية عن باقي جلسات مجلس النواب بما يتطابق مع الدستور وفلسفة المحكمة والعرف الدستوري ؟

   للإجابة يشخص دور المحكمة الاتحادية العليا في رهن دستورية جلسات مجلس النواب اللاحقة للجلسة الأولى بإتمام ما أوجبه الدستور في عمل المجلس بأول جلسة له حيث قضت:" أما تطبيق المادة/59 – ثانياً من الدستور... فإن ذلك يتعلق بعمل مجلس النواب بعد اكمال تشكيلته بالكامل ،أي بعد انتخاب رئيس المجلس ونائبيه"((8)) ، مما يعني: أن تصدع ما انتجته الجلسة الأولى بانفراط عقد هيئتها موجب لعقده مجدداً بعد التئام ما اوجبه الدستور والمحكمة من عدد لازم لتشكيل المجلس ، فإلى حين ذلك تكون تشكيلة المجلس في حالة من التعطيل الفعلي أو الحل الواقعي طالما لا يمكن احتساب النصاب الموصوف دستورياً لاتخاذ القرارات على وفق العدد المتبقي للمجلس لكونه يحتسب من الأصل (عدد أعضاء مجلس النواب) ، وبغياب تكامل العدد لا يمكن احتساب النصاب اللازم لانتخاب هيأة الرئاسة أو مزاولة سائر اعمال المجلس الأخرى .

   إذا كان ترميم ما اعترى تشكيل مجلس النواب سائرٌ الى تعويض الأعضاء المستقيلين أو استبدالهم ، فإن تشكيلة المجلس (بعد الانسحاب الجماعي منه ) ستبقى متصدعة مستوجبة للتكامل العددي المنصوص عليه دستورياً وقانونياً حتى تقرير الأعضاء البدلاء على وفق قانون مجلس النواب أو قانون الانتخابات الذي افرز المجلس الحالي أو أي قانون آخر يعتقد أنه الواجب التطبيق ، ولكن سيتطلب التعويض وقتاً ، وسيبقى المجلس بين معنى التعطيل و والحل ،  وسيؤدي ،إن حصل، الى نتائج دستورية – قانونية عدة .

  إن تعويض النواب المنسحبين سيتم بالرجوع الى المرشحين الحائزين على أعلى الأصوات في الدائرة الانتخابية طبقاً لقانون الانتخابات ((9)) ، وقد يتطلب  الارتكان الى المحكمة الاتحادية العليا للمصادقة على نتيجة آلية تعويض الشاغر طبقاً للدستور ((10)) ، ولا يكون المرشح الفائز عضواً في مجلس النواب إلا بعد ترديده القسم الدستوري طبقاً لقانون مجلس النواب ((11)) ، وقد يتم تقديم الاعتراضات على صحة العضوية ويبت فيها المجلس وتنظرها المحكمة الاتحادية لاحقاً خلال مدد وشروط دستورية ((12)).

   إن العمل التنفيذي – التشريعي – القضائي ، أعلاه ، يحتاج الى وقت قد يطول أو يقصر ، وإلى حين استكمال تلك الإجراءات حلقاتها واستحكام متطلباتها الدستورية والقانونية يحق القول أن تشكيل مجلس النواب متأرجح بين الحل  الواقعي و التعطيل الفعلي ، ويده التشريعية مغلولة بإرادة أعضائه بعد أن غلت يده الرقابية بإرادة المشرع الدستوري التي توصلت اليها المحكمة الاتحادية العليا باستنطاقها الفاظ الدستور  .  

الهوامش:

((1)) المادة /61 – ثانياً من دستور 2005

((2)) القرار التفسيري بالعدد 121/اتحادية/2022 في 15/5/2022 .

((3)) القرار التفسيري بالعدد 121/اتحادية/2022 في 15/5/2022 .

((4)) المادة/49 – اولاً من دستور 2005

((5)) قرار المحكمة الاتحادية العليا بالعدد 5 وموحدتها6/اتحادية/2022 في 25/1/2022 – الفقرة ثالثاً المؤيدة لدستورية قانون انتخابات مجلس النواب العراقي من زاوية تحديد عديده اللازم لتشكيله ـ

((6)) قرار المحكمة الاتحادية العليا بالعدد 5 وموحدتها6/اتحادية/2022 في 25/1/2022 – الفقرة رابعاً وخامساً وثامناً .

((7)) المادة /55 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 .

((8)) وتضيف المحكمة :" .. إذ ان النص الدستوري تضمن عبارة جلسات مجلس النواب في حين ورد في المادة 54 و 55 من الدستور عبارة جلسة مجلس النواب وبذلك فان المشرع الدستوري فرق بين الجلسة الأولى وباقي جلسات مجلس النواب.. " قرار المحكمة الاتحادية العليا بالعدد 5 وموحدتها6/اتحادية/2022 –الفقرة ثامناً .

((9)) المادة/15-خامساً من القانون رقم 9 لسنة 2020 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4603 في 9/11/2020 المبينة لآلية تعويض الشاغر في مجلس النواب .

((10)) المادة/93- سابعاً من دستور 2005 ، والمادة /4-أولاً من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لسنة 2018 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4499 في 16-7-2018.

((11)). المادة /4-أولاً من قانون مجلس النواب وتشكيلاته نفسه .

((12)) المادة/52 من دستور 2005 .

مواضيع ذات صلة