آخر الاخبار

shadow

توجيه القضاء الدستوري أوامر ملزمة للسلطات في ظل الدعاوى المردودة القضية 132 لسنة 2022 انموذجاً

أ.د. علي هادي عطية الهلالي / عميد كلية القانون - جامعة بغداد

   قد ترد الدعوى الدستورية لأسباب عدة ويخسر المدعي طلباته فيها ، لكن هل سيكسب المدعى عليه كامل الدعوى أم قد يقده القاضي الدستوري بالتزام قانوني – دستوري أو أكثر في الحكم ذاته ؟

   إذا كان القضاء مطلوب ويتقيد بحدود طلبات المدعين ، بيد أن القضاء الدستوري يتحلل من هذا القيد بأحوال كثيرة أخصها: التصدي ، وتوجيه أوامر للسلطات بأداء عمل معين و ترك عمل معين ، لذا فإن الحكم الصادر منه برد الدعوى الدستورية لعدم الاختصاص أو لأي سبب آخر لا يعني خلو الحكم من مضامين ملزمة ومن بينها توجيه أوامر ملزمة للسلطات أو تقريره لوصف لواقعة أو حالة قانونية أو سياسية أو اقتصادية أو الكشف عنها أو تفسيره لنص دستوري أو قانوني وما سوى ذلك .

   إن انكار سلطة القاضي الدستوري بتوجيه أوامر ملزمة لسائر السلطات بحجة مبدأ الفصل بين السلطات لا يستقيم مع الولاية العامة للقضاء الدستوري في حماية الدستور ، وحمايته لا يحدها حد ولا يقيدها قيد وتتسع كلما لاح عدوان على الدستور ، وتنبسط في ساحة الجاحدين لاحكامه ، فضلاً عن عدم امكانية تجزئة الحكم الصادر من القاضي الدستوري فجميعه ملزم ، وبالنتيجة تكون مشتملات الحكم كافة ملزمة كون المستقر أن احكام القضاء الدستوري باتة ملزمة((1)).

   وتختلف طبيعة الأوامر التي يوجهها القاضي الدستوري من خلال احكامه الصادرة برد الدعوى شكلاً أو موضوعاً فضلاً عن احكامه بقبولها ، فبعضها يوجب على السلطات إتيان عمل معين أو ترك عمل معين ، وبعضها يقرر تحقق واقعة أو يحدد توصيفاً لواقعة مؤدى تحققها يوجب على إحدى السلطات إتيان عمل معين أو موجبة لأن تنتهي عن الاستمرار بفعل أو امتناع معين ، وبالنتيجة لا فرق أن تكون مقاصد أوامر القاضي الدستوري ايجابية :تلزم احدى السلطات بإتيان عمل معين ، أو سلبية: تنهي احدى السلطات عن عمل معين ، ولا يقبل من السلطة التي وجه اليها الامر أن تدعي أن القاضي الدستوري قد تسلل الى نطاق عملها واهدر مبدأ الفصل بين السلطات الثابت دستورياً.

   من الزاوية المتقدمة تستند المحكمة الاتحادية العليا في توجيهها أوامر إلى السلطات الى أسانيد عدة أخصها: واجبها في حماية الدستور بوصفه كتلة واحدة غير مجزأة ونسيج متجانس، ومهام سائر السلطات واختصاصاتها فضلاً عن مراكز الأشخاص وحقوقهم من أخص مكونات الدستور ، لذا فإن التقاعس عن مباشرة الاختصاصات من قبل سائر السلطات أو جحودها عن إتيان ما يضمن حقوق الاشخاص المكفولة موجب للمحكمة أن توجه أوامر الى المتقاعسين عن مباشرة مهامهم وللجاحدين عن تلبية الحقوق المكفولة دستورياً؛ وقد تستند المحكمة الاتحادية الى ولايتها التكميلية بانفاذ احكامها التي سبق وأن أصدرتها متضمنة أوامر ونواهي بيد أن السلطات التي صدرت الاحكام بمواجهاتها تقاعست عن إتيان ما يلزم في تنفيذ تلك الاحكام .

    ونجد ما تقدم شاخصاً في حكم المحكمة الاتحادية العليا بالقضية /132 لسنة 2022 ، التي طلب المدعون فيها حل مجلس النواب قضائياً ، ولكن وإن كانت المحكمة قد ردت الطلب لعدم اختصاصها متقيدة بأحكام الدستور، بيد أنها وجهت عدداً من الأوامر الملزمة الى سائر السلطات ، وبالنتيجة تكون تلك السلطات قد كسبت الدعوى بنتيجتها بيد أنها تقلدت بعدد من الأوامر القضائية واجبة التنفيذ ، ومن بينها الأوامر التي تضمنت التزامات إيجابية تلتزم السلطات بمباشرتها منها: " الالتزام بالصلاحيات القانونية لكل سلطة ، وعدم التدخل في شؤون المؤسسات والسلطات والوزرات خارج الأنظمة الداخلية ، وتقديم خطة اصلاح متكاملة للبلد ، والتصدي لكل أسباب انتشار الفساد ، والعمل على تحقيق ما تم انتخابهم لاجله وهو مصلحة الشعب ..."((2)) .

   كما أن المحكمة وجهت أوامر أخرى ضمنتها التزامات سلبية ، أي: نواهي تقع على عاتق باقي السلطات الامتناع عنها أو الاستمرار فيها من بينها : " عدم قيام السلطة التشريعية بواجباتها الدستورية وخصوصاً إقرار قانون الموازنة ، عدم اكتمال تكوين السلطة التنفيذية رغم تجاوز كل المدد الدستورية"((3)) .

   واظن أن المحكمة رغم التزامها الدقيق بصريح الفاظ الدستور الخاصة بآلية حل السلطة التشريعية بيد أنها لم تتوانى عن توصيف الواقع الحالي بأوصاف تعطي مفهوما دقيقا لمبررات طلب حل مجلس النواب التي غاب وصفها في الدستور((4)) حيث قضت:" ان الوضع العام في البلد بتراجع كبير ... لاسيما مع عدم اكتمال تكوين السلطة التنفيذية ... وعدم قيام السلطة التشريعية بواجباتها الدستورية " ((5)).

   وبالمسار القضائي المتقدم تكون المحكمة قد نظرت الى مواد الدستور نظرة تكاملية غير مجزأة حين تقيدت بألية الحل وبينت بجلاء عدم اختصاصها به ، بيد أنها لم تترك واجبها في حماية باقي نصوص الدستور الموكلة بالدفاع عنها وبخاصة مراكز الافراد وحقوقهم ووحدة الدولة وسلامتها وحماية السلم الأهلي مما دفعها الى توجيه أوامر الى السلطات بالالتزام بواجباتها المؤطرة دستورياً ، ولكن تلك الأوامر ليست تفسيرات فقهية غير ملزمة أو إثراء للمكتبة الدستورية أو كلام مرسل بل تتصف بالبتات والالزام اسوة بالفقرة الحكمية النهائية برد الدعوى ، مما يحتم على سائر السلطات التقيد بها .

   ولكن قد يستمر تردد وتقاعس السلطات عن تنفيذ تلك الأوامر مما يجعلها في حالة من الجحود الكامل أو المبتسر لحكم المحكمة الاتحادية ، الأمر الذي يبقي التساؤل شاخصاً عن إمكانية الطلب من المحكمة الاتحادية العليا في استكمال ولايتها على انفاذ احكامها أو تحريك المسائلة القضائية ضد الممتنعين ((6))  أو توصيف الإصرار على عدم تنفيذ اوامر القاضي الدستوري بجريمة الحنث باليمين الدستورية ((7)) ، وبخاصة ان حكم القاضي الدستوري وما تضمنه من أوامر يقرر حكم الدستور ونصوصه وان جحود السلطات للحكم ولتلك الأوامر يمثل جحودا للدستور نفسه ، أو قد يطلب حلول المحكمة محل السلطة المتقاعسة ، مرة أخرى ، في تنفيذ الأوامر القضائية التي لم تنفذ ، فهل ستلجأ المحكمة الى الجزاءات السياسية أم ستحل محل السلطات في إنفاذ احكام الدستور ؟؟ .

الهوامش

((1)) (م/94 من دستور 2005)

((2)) القضية 132 /اتحادية /2022  في 9/7 / 2022 .

((3)) القضية 132 /اتحادية /2022  في 9/7/ 2022 .

((4))المادة/64-أولاً من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 .

((5)) القضية 132 /اتحادية /2022  في 9/7/ 2022 .

((6)) المادة /93 – سادساً من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 .

((7)) المادة/50 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 .

مواضيع ذات صلة