آخر الاخبار

shadow

تعليق على قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 12/ت/2016 (الجزء الاول)

ايناس عبد الهادي الربيعي

المقدمة

ان من المستقر عليه في الفقه القانوني ان القانون لا يفصح عن الارادة العامة الا بمقدار التزامه بأحكام الدستور واحترامه لها ولم يكن العراق بمنائ عن كونه احدى اولى الدول العربية التي عرفت نظما مختلفة للرقابة القضائية على دستورية القوانين تبناها المشرع منذ الحقبة الملكية والحقبة الجمهورية فيما بعد ذلك وان كانت قد طبعت في حدود ضيقة او لم يعمل بها فالدستور ليس مجرد وثيقه قانونية بل هو مزيج من الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تفاعلت معا لتتربع في قمة النظام القانوني.

ففي حقبة النظام الاساسي الملكي وجد نظاما للرقابة القضائية عن طريق المحكمة الاتحادية العليا في مادة (81) منه بتولي مراقبة القوانين واحكامه وعلى الرغم من ذلك فلم تمارس الدور المناط بها فلم تلغ منذ تأسيسها سوى قانونا واحدا هو قانون منع الدعايات المضرة رقم 20 لسنة 1938 ولم تنظر في دستورية المراسيم التشريعية الصادرة من السلطة التنفيذية رغم مخالفتها للدستور وتوالت الدساتير الاحقه في العهد الجمهوري على تأكيد هذا المبدأ على الرغم من كومه نظاما معطلا عمليا لا يملك استخدام سلطاته في اداء مهامه الطبيعية ليعود القضاء الدستوري المتخصص مع اول اطلالة للديمقراطية في قانون ادارة الدلولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2003 في المادة 43/الفقرة/أ ليكفل الاستقلال الاداري للقضاء كما كفل الحصانة القضائية للقاضي ليأتي القانون رقم 30 لسنة 2005 الذي صدر في الظروف استثنائية بأمر تشريعي صادر عن الحكومة المؤقتة في ظل قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 لتتجه اليه الانظار بحثا عن الحصانة اولا وليكون موضعا للاتهام تبعا لظروف وجوده في ظل سلطة الاحتلال ثانيا فلا يمكن تصور استقلال القضاء دون كفالة هذا الاستقلال من خلال عدم التدخل في الاعمال الصادرة سواء كانت احكاما قضائية او اعمال ولائية او مصادقات على نتائج انتخابية كاستقلال وظيفي واستقلال عضوي من خلال عدم التدخل في النشاط القاضي او الوظيفة القضائية من قبل السلطات الاخرى بشكل ينافي الاستقلال الوارد في الدستور المراد لتلك السلطة.

 اهمية البحث

لا يمكن تصور استقلال القضاء دون وجود ضمانات تهيئ لهذا الاستقلال وتؤكده سواء عن طريق ضمان استقلاله الوظيفي والعضوي من قبل السلطات الاخرى في الدولة بشكل ينافي الاستقلال المراد لتلك السلطة وما ورد في الدستور تأكيدا لذلك الاستقلال.

مشكلة البحث

على الرغم من ان تبني اغلب الدساتير لمبدأ السلطات الذي اوردة الا ان هذا المبدأ يتعرض للخرق من قبل السلطات الاخرى في الدولة وبشكل يتنافى مع مبدأ الاستقلال الذي اوردة الدستور لتبرز اهمية الحد من هذه الخروقات التي تنعكس سلبا على النظام القانوني في الدولة مسببة لوجود انعدام للتوازن بين تلك السلطات مع خلل في تطبيق الافكار الديمقراطية الواجب ان يكون هذا المبدأ انعكاساً لها ولا سيما ان تلك الاشكالية اكدتها المحكمة الاتحادية العليا في اكثر من مناسبة وفي قرارات عدة بما ويتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات وتأكيدها على التزام بالدستور الذي رسم حدود كل السلطة من السلطات في الدولة وفق تنظيم معين لا ينبغي لاحداها تجاوزه على حساب الاخرى .

منهجية البحث

سنعمل على اتباع اسلوب البحث العلمي المقارن من خلال التطرق للنصوص القانونية بشكل عام والدستورية بشكل خاص ومقارنتها بما ورد في التشريعات المقارنة والشريعة الاسلامية اينما وجد لذلك محل في بحثنا مع تقسيم بحثنا الى مبحثين تتخللهما مطالب في محاولة للإحاطة ولو بجزء بسير من موضوع بحثنا مستعينين في ذلك بمؤلفات من سبقنا من اساتذة اجلاء كان لهم افضلية السبق والتمييز في طرح الموضوع وفي مقدمتهم استاذنا الفاضل له جل احترام والتقدير.

المبحث الاول/ مفهوم استقلال القضاء

للإحاطة بمفهوم استقلال القضاء لا بد من وضع تعريفيا له ومن ثم بيان ذلك الاستقلال وفق الفقه الدستوري والشريعة الاسلامية وفي الدساتير الوطنية وكيف تناوله المواثيق الدولية كجزء اول من بحثنا هذا وكلاتي :

 المطلب الاول / تعريف استقلال القضاء

 لا تخلو دساتير العالم من النص على هذا المبدأ ولم تكن قوانين التنظيم القضائي بمنأى عن ذكره ولبيان يتطلب منا الامر ان نتناول هذا المبدأ من خلال تناول تعريفية لغة واصطلاحا وكالاتي:

الفرع الاول / تعريف استقلال القضاء لغة واصطلاحا

الاستقلال هو التفرد بالعمل دون تدخل خارجي او هوة وضع خاص بجهاز او جماعة يباح لهم الحرية التصرف دون التأثر بأي عامل خارجي "1 فاستقلال القضاء وصف يتبع القضاء "2" القضاء في اللغة له معان عدة وردت كلمة القضاء في القران الكريم في مواضع عدة لقوله تعالى : (اذا قضى امرا فإنما يقول له كن فيكون) "3"وقال تعالى : (قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) "4" وقوله تعالى: (فاقض ما أنت قاض) "5" وقوله تعالى: (وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه) "6" فالقضاء في القران الكريم ورد بمعان عدة كالالتزام والحكم والمنع وكذلك جاء في اللغة بمعنى الحكم والجمع أقضية القضاء بالفتح هو الاداء والقضاء بالضم هوة عمل القاضي او هو سلطة يوكل اليها بحث الخصومات للفصل فيها طبقاً للقانون "7".

وفي المعجم الوسيط القضاء هو الحكم وعمل القاضي ورجال القضاء هم من يعهد اليهم بحث الخصومات للفصل فيها طبقا للقوانين "8" لذى فكلمة القضاء قد يراد منها معنى عضوي ونعني به رجال القضاء او معنى موضوعي يراد به قرارات القضاء لذى فان استقلال القضاء سيعني احد المعنيين اما استقلال القرارات القضائية فقط او استقلال القضاة فقط اذا عرف في مشروع الخبراء لمبادئ حول استقلال القضاء في شيلي عام 1981 بانه: (كل قاض حر في ان يحكم فيما يعرض امامه من وقائع طبقا لأدراكه للحقائق ولفهمه للقانون بعيدا عن اي تأثير اخر بالترتيب او الضغوط المباشرة من اي جهة او لأي قصد وان القضاء مستقل عن التنفيذ وعن التشريع المباشر او من خلال اعادة النظر في كل المسائل ذات الصفة القضائية) وبهذا سكون استقلال القضاء هو عدم جواز التدخل والتأثير من قبل الغير على ما يصدر عنه من اجراءات وقرارات واحكام سواء كان ذلك التدخل بصورة مادية او معنوية او بشكل مباشر او غير مباشر وبأية صورة كانت لذى فأن استقلال القضاء لا يعني فقط منع تدخل السلطات الاخرى في الدولة في اعمال القضاء بل هو وجوب امتناع القضاة انفسهم من الاستجابة والخضوع لأي تدخل او تأثير الا لصوت القانون والضمير "9" لكون ها التدخل من شأنه ان يزيل التمايز بين السلطات مما يعمل على اضعاف اهمية توزيع السلطات القائمة في النظام الدستوري مما يؤدي لخلل في حسن الاداء في الدولة وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات.

الفرع الثاني/ حدود استقلال القضاء

بينما فيما سبق ان استقلال القضاء يعني منع التدخلات في ادائه لمهامه الا ان السؤال الذي يثار هل ان هذا المبدأ يعني الاستقلال التام للقضاء عن باقي السلطات ؟ وهل هو وسيلة ام غاية قائمة بذاتها ؟ فاذا ما جزمنا بانه استقلال مطلق وفصل تام فنحن امام استبداد ان لم يكن مؤكد فهو محتمل وان جزمنا بان هذا الاستقلال هو وسيلة لتحقيق اهداف اخرى اولها سيادة القانون وحماية الحقوق والحريات فهو هنا يتطابق مع تعريفه في منع التدخل في شؤون القضاء من قبل باقي السلطات دون الانفصال التام فالاستقلال المراد هوة عدم الخضوع في تنظيم الوظيفة القضائية الا لسلطة القانون دون الغاء علاقة السلطة القضائية بغيرها من السلطات فهو استقلال مرن وفق قواعد قانونية تنظيم العلاقة بين تلك السلطات لتجعل احدهما تكمل الاخرى وفق ترابط متناغم يعبر عن الضوابط التي تنظم تلك العلاقة بشكل يحقق الاستقلالية وفق مبدأ المشروعية وتحقيق الصالح العام دون تسلط احدها على الاخرى."10"

المطلب الثاني/ اهمية استقلال القضاء

بينا فيما سبق بان استقلال القضاء هو تحرر من سيطرة وتدخل السلطات الاخرى في الدولة ليعيد استقلال القضاء عنصرا اساسيا لسلطة قضائية فاعلة في المجتمع ديمقراطي تتوازن فيه السلطات عن طريق توزيعها بما يضمن ممارسة كل السلطات لاختصاصاتها الممنوحة لها في الاتي ضمانات تأثير ذلك في السلطات الدولة.

يعد الحفاظ على استقلال القضاء امرا بالغ الاهمية للحفاظ على سيادة القانون ولضمان سلامة عمل وحيادية عمل السلطة القضائية في ذات الوقت ولذى يجب على الدساتير ان تشجع قيام نظام قضائي يتسم بالشفافية والمسألة من خلال تعزيز قيم الوضوح والتناسق في الاجراءات والمعايير القضائية فمن المسلم به ان الوظيفة الرئيسية للمحاكم هي تطبيق القانون بأنصاف وتجرد في النزاعات المعروضة عليها وهذا يرتبط بشكل جلي باستقرار وشريعة السلطة القضائية والنظام الدستوري "11" وبما ان تحقيق العدالة يعد امرا نظريا مالم يحصن بمجموعة من الضمانات التي من شأن تطبيقها على ارض الواقع العمل على استقرار التطبيق العملي لاستقلال السلطات على ارض الواقع لذى تسعى الدساتير عادة الى وضع الضمانات لتحقيق مبدأ استقلال القضاء على ارض الواقع منها:

 الفرع الاول / الرقابة الدستورية

 والتي تعد من اهم الضمانات للسلطة القضائية في مواجهة باقي السلطات في الدولة ولا سيما السلطة التشريعية اذ للسلطة القضائية ان تقف ضد اجازة التشريعات المخالفة للدستور والمخالفة لمبدأ استقلال القضاء لتقف هنا استقلالية القضاء على المحك لأثبات سيادة القانون حيث التطبيق السليم والمجرد للقانون ولتعزيز قدرة السلطة القضائية على المشاركة في تسوية النزاعات الدستورية باستقلالية وحديدية ونجد في تقرير صادر عن المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات ان 65% من الدساتير النافذة حاليا تنص صراحة على مبدأ الالتزام باستقلال القضاء ويتزايد عددها بمرور الوقت فوق دراسة أعدت لهذا الغرض من خلال احصاء الدساتير منذ عام 1789 والتي عدت مصدرا لتلك الدراسة وجد ان 550 من اصل 800 دستور معمول بها منذ ذلك الحين و 90% منها صدرت بعد الحرب العالمية الثانية تنص صراحة على استقلال السلطات القضائية اذ ان واضعي الدساتير على الاغلب يراعون ظروف بلادهم لتحقيق التوازن السليم بين السلطات وكذلك الامر في دستور العراق 2005 اذ اناط بالمحكمة الاتحادية العليا سلطة الرقابة على القوانين والانظمة النافذة وفق المادة 93/اولا منه "12" لذى فان الدستور بتنظيمه لصلاحيات السلطات المكونة للدولة يمكن ان يحد من تفرد احداها بممارسة نفوذ واسع في ممارستها لمهامها فتعزز الضمانات القانونية لاستقلالها مع وضع معايير تضمن التوازن المراد تحقيقه عن طريق تعزيز المهنية في ممارسة السلطات وليس تحقيق الغايات السياسة وهو ما نأمل تحقيقه على المدى البعيد دون ان يكون امال واضغاث احلام قد تذهب ادراج الرياح فبل ان تجد لها ملتمسا على ارض الواقع.

الفرع الثاني / الاستقلال المالي الاداري

تنظم الشؤون الادارية للقضاء بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية لتعد احدى اهم الضمانات المهمة في ترسيخ مبدأ استقلال القضاء واستقراره ففي دستور جمهورية العراق لعام 2005 تم تأسيس  مجلس القضاء الاعلى بموجب الامر 35 لعام 2003 والامر 12 لسنة 2004 الذي اسس للاستقلال المالي والاداري للسلطة القضائية وانيطت به مهمة ادارة شؤون الهيئات القضائية والاشراف على القضاء الاتحادي في المواد 90 و 91 منه وفك ارتباط السلطة القضائية مع وزارة العدل التي تعد احدى وزارات السلطة القضائية مرتبطة بوزارة العدل بموجب القانون التنظيم القضائي رقم 160 لعام 1979 المعدل النافذ ليكون الهدف الاساس من تأسيس المجلس هو اعادة تأسيس مجلس القضاء ليكون مسؤولا ومشرفا على النظام القضائي وبشكل مستقل عن وزارة العدل.

تعد الميزانية المستقلة للقضاء احدى ضمانات استقلال القضاء فندما يوجد استقلال مالي وميزانية خاصة تقل الضغوط والتأثيرات على السلطة القضائية من قبل السلطة التنفيذية وقد عمد دستور جمهورية العراق على جعل للقضاء موازنة سنوية مستقلة يقترحها مجلس القضاء الاعلى وتعرض على مجلس النواب وفق المادة 91/ف3 منه "13" .

الفرع الثالث / استقلال وظيفي

وبها يستقل القضاء باختصاصات حصرية لا يمكن للسلطتين التشريعية والتنفيذية ان تتدخل بتلك الاختصاصات باي شكل من الاشكال سواء بإصدار القوانين او القرارات لإيقاف احكام القضاء ولا يقف الامر عند هذا الحد بل منع القضاة واعضاء الادعاء العام من ممارسة الوظيفة القضائية واي وظيفة اخرى سواء كانت تشريعية او تنفيذية او اي عمل اخر وفق المادة 98 من الدستور جمهورية العراق لعام 2005 مع حظر الانتماء لأي حزب او منظمة سياسية او القيام باي نشاط سياسي ."14"

المبحث الثاني / معوقات استقلال القضاء

بينما فيما سبق ان القضاء هوة السلطة الفصل في المنازعات وفق القانون والتي قد تكون بين افراد عاديين او اشخاص معنوية والقاضي في عند الفصل في تلك النزاعات يحاول الوصول لروح التشريع والارادة العامة التي وضع القانون بموجبها ليصدر احكامه بموضوعية متجردا من اي تأثير وسنتناول في الجزء القادم من بحثنا مدى استقلالية القضاء في مواجهه السلطات الاخرى وقضاء المحكمة الاتحادية العليا في هذا المجال وكالاتي:

المطلب الاول / استقلال القضاء في مواجهة سلطات الدولة

ليتحقق الفصل بين السلطات يجب ان لا يتجاوز احدى السلطات على اختصاصات سلطة اخرى والا تخع احداها في ممارستها لمهامها للسلطات الاخرى الا في حدود ما يقره القانون وسنبين في الاتي استقلال السلطة القضائية عن باقي السلطات في الدولة وتأكيد هذا المبدأ في القضاء المحكمة الاتحادية العليا كالاتي:

الفرع الاول / استقلال القضاء عن السلطة التشريعية

لا يعني استقلال القضاء ان تكون السلطة القضائية سلطة مستقلة عن باقي السلطات في الدولة فتضمن الدستور لقواعد تنظيم تلك العلاقة مع باقي السلطات يجعلها تظهر ككيان واحد كسلطات ادارة الحكم في الدولة هو امر دأبت عليه الدساتير في مختلف بقاع العالم فالتطبيق العملي لاستقلال السلطة القضائية كتجسيد لمبدأ الفصل بين السلطات هو تتولى السلطة القضائية تطبيق الوظيفة القضائية دون الاعتداء على ذلك التخصص من قبل السلطة التشريعية لأضعاف سلطة القضاء او سلبه جزء جزأ من اختصاصاته فالسلطة التشريعية تسطيع التأثير في استقلال القضاء عن طريق تنظيمه كما في التشريع التونسي عندما منح الفصل 106 من الدستور التونسي لعام 2014 السلطة  التشريعية الاختصاص بتنظيم القضاء الاداري واجراءاته والنظام الاساسي الخاص به "15" فالاستقلال يتحقق جوهريا من خلال قدرة القضاء على انتاج قواعد قانونية والا امسى مجرد الة لتطبيق القواعد القانونية لا غير فلا يمكن الحديث عن وجود سلطة متوازية مع السلطة التشريعية ففي الدول الانجلوسكسونية كالولايات المتحدة الامريكية يتمتع القضاء بثقل كبير فالنظام الامريكي يوصف بحكم القضاة وهذا اكبر دليل  على انتاجية وتأثيره في السلطات الاخرى "16".

الا ان الواقع العملي يؤكد عدم وجود استقلالية مطلقة للقضاء انما يضع الدستور ضوابط للحد من اي تأثير محتمل للسلطة التشريعية بفعل اجراءات تشريعية كما ان السلطة التشريعية في ادائها لوظيفتها قد تعمد الى السن تشريعات تناقض الفصل بين السلطات في الدستور عند سن قوانين تحد من حق التقاضي بمنع القضاء من نظر منازعات معينة وهو ما يمس روح الدستور القائم على الفصل بين السلطات ليؤكد مظهرا سلبيا اخر يؤخذ على علاقة القضاء مع السلطة التشريعية من خلال ان اغلب الدساتير تقر للسلطتين التشريعية والتنفيذية حق اقتراح القوانين وتمنع السلطة القضائية من ذلك رغم انها الاقدر على اكتشاف ثغرات القانون وهي الاقدر على اقتراح القوانين ذات الصلة بالسلطة القضائية وعملها وهو ما اكدت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها المرقم 19/ت/2017 ببعض مواده منها المادة 3/ خامسا بما يتعلق بترشيح اعضاء المحكمة الاتحادية العليا من القضاة لتبين المحكمة في قرارها تعارض الفقرتين اولا وثانيا من المادة 92 من الدستور اللتان بينتا استقلال المحكمة الاتحادية العليا ماليا واداريا وان طريقة اختيار اعضاها ينظمها القانون وان الفقرة الخامسة من المادة 3 محل الطعن والتي نصت على اختصاص جديد لمجلس النواب يقع خارج اختصاصاته المنصوص عليها في الدستور وهو الموافقة على تعيين المرشحين لمنصب نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية ومنصب رئيس محكمة الاستئناف الاتحادية ومنصب رئيس هيئة الاشراف القضائي فبينت المحكمة الاتحادية العليا ان الفقرة السابقة الذكر من قانون محل الطعن جاءت مخالفة الاحكام المادتين 61/أ و91/ثانيا من الدستور لان ذلك يمثل اختصاصا جديدا لمجلس النواب لم تنص عليه المادة 61/خامسا/أ من الدستور والتي هي بالأصل استثناء من احكام المادة 47 من الدستور والتي قررت مبدأ الفصل بين السلطات الواردة فيها التشريعية والتنفيذية والقضائية والاختصاص الجديد الذي جاءت به الفقرة (خامسا) من المادة 3 من القانون محل الطعن وهو استثناء لا يجوز التوسع فيه ويشكل خرقا لأحكام الدستور وتدخلا بشؤون السلطة القضائية الاتحادية والذي لم تجزه المواد (19/اولا)

و (47) و(87) من الدستور "17" ليكون ذلك القرار احدى الادلة الواضحة في محاولة السلطة التشريعية الانتقاص من مبدأ الفصل بين السلطات ومنع السلطة التشريعية من التدخل في تشكيل ادارة القضاء واجراءات عمله.

مواضيع ذات صلة