آخر الاخبار

shadow

طعن الادعاء العام بعدم دستورية القوانين في ظل اتجاهات المحكمة الاتحادية العليا

أ.د. علي هادي عطية الهلالي / عميد كلية القانون - جامعة بغداد

   يعد شرط المصلحة شرطاً لازماً لقبول الدعوى الدستورية ((1)) ، واستقر مسار المحاكم الدستورية بصفة عامة ، ومسار المحكمة الاتحادية العليا بصفة خاصة على عدم قبول الدعوى الدستورية إذ تخلف شرط المصلحة((2)) ، ولكن بدأت الاستثناءات تترى للتراجع عن هذا الشرط وبدأت الدعاوى الدستورية "احياناً" تقبل طبقاً لتوافر شرط المصلحة العامة بديلاً عن المصلحة الشخصية ، منها في سياق ضرب المثل الدعاوى التي أقامها المحامون في الولايات المتحدة الامريكية لمواجهة عدم دستورية النصوص المرسخة للعنصرية  ، وفي الهند بدلاً عن الفئات التي تحتاج المعونة القضائية ، وفي ايرلندا في الطعون الموجهة ضد القرارات المتعارضة مع حق الامة في تراثها ، وغيرها((3)) .

أما في العراق فقد تراجعت المحكمة الاتحادية عن التمسك بشرط المصلحة الشخصية وباتت تقبل الدعاوى الدستورية من مدعين لا يواجهون دستورية القانون انطلاقاً من المصلحة الشخصية بل طبقاً للمصلحة العامة((4)) ، بل أن المشرع نفسه بدأ يرسخ قبول الطعن بالدستورية طبقاً للمصلحة العامة ، كتوجهه بقبول الطعن بالدستورية المثار من قبل الادعاء العام((5)) .

وطبقاً لما تقدم يحق التساؤل عن الآلية التي يتحرك في ظلها الادعاء العام وتحكم مطاعنه في دستورية القانون ؟

إن غياب النصوص الحاكمة والواضحة المبينة للآلية التي يتحرك بضوئها الادعاء العام لمبارزة القانون غير الدستوري أدت الى تعدد الاجتهادات الفقهية والاتجاهات القضائية في تأطير آلية المطاعن الدستورية المثارة من الادعاء العام ، لذا لابد من توصيف طعن الادعاء العام بعدم الدستورية فيما إذا كان دفعاً أثناء نظر إحدى الدعاوى أم كان طلباً يقدمه عبر إحدى المحاكم أم كان دعوى مباشرة تقدم بالطريق المباشر ؟

فلو كان طعن الادعاء العام بعدم الدستورية دفعاً يبديه أثناء نظر إحدى الدعاوى  لاقتضى ذلك أن يوصف الادعاء العام بالخصم ، كون هذه الآلية توجب أن يكون الدافع خصماً ((6)) ، ولكن وإن كان الادعاء العام يعد خصماً في الدعاوى التي تكون الدولة طرفاً فيها ((7)) ، بيد  أن تأطير طعنه بالدستورية بحدود الدفع أثناء نظر الدعوى سيحجم نطاق دوره في صيانة الدستورية من وجهتين : الأولى : هي انحصار طعونه باطار خصومته بدعاوى معينة ، أما الثانية: فهي ارتهان قبول طعنه بقناعة محكمة الموضوع بجدية ما يبديه من طعن .

أما إذا كان طعن الادعاء العام بعدم الدستورية بمثابة طلب يتقدم به الى محكمة الموضوع لتتولى رفعه المحكمة الى المحكمة الاتحادية ((8)) ، لاقتضى ذلك التسليم بكون الادعاء العام جزءاً من المحكمة وليس مستقلاً عنها بل أن طلباته المتضمنة طعناً بالدستورية ملزمة لها ، فضلاً عن تقييد تحرك الادعاء العام لحماية الدستور بشرط وجود دعوى منظورة ، وهذا ما قد يحجم حدود عمله بما يحول من دون استلامه طلبات أو بلاغات من الأشخاص تتضمن أوجه عدم الدستورية ضد قانون معين من دون أن تكون هناك دعوى منظورة .

أما إذا كان طعن الادعاء العام بعدم الدستورية بمثابة دعوى مباشرة يتقدم بها الى المحكمة الاتحادية مباشرة ((9)) ، فإن مطاعنه الدستورية قد تستند الى صلاحياته بإقامة الدعاوى ((10)) ، فضلاً عن استنادها الى الدستور نفسه ((11)) ، ولكن قد يحتاج تأطير طعونه بهذا النطاق الى مصير الدعاوى المنظورة أمام محكمة الموضوع والتي يراد تطبيق القانون الطعين فيها .

أما تطبيقات المحكمة الاتحادية العليا فقد نظرت طعون الادعاء العام بعد إحالة طلباتهم من خلال المحكمة التي قدمت اليها مطاعن الادعاء العام ((12)) ، ويظهر لنا أن الادعاء العام قدم طعنه بعدم الدستورية بطلب الى محكمة الموضوع ، وقد احالت الأخيرة طلبه الى المحكمة الاتحادية للبت بالدستورية مشيرة الى المادة 3 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية ، أي: أن طلب الادعاء العام المقدم الى محكمة الموضوع عد بمثابة طلباً مقدماً من المحكمة من تلقاء نفسها ، بمعنى : أن محكمة الموضوع قد عدت الادعاء العام غير مستقل عن المحكمة ، وطلباته بالطعن بالدستورية ملزمة لها وبخاصة أنها لم تشر الى تمحيص طلب المدعي العام وتقرير قناعتها بجديته ، كونها احالت الطلب نفسه بكتاب الى المحكمة الاتحادية بمجرد تقديمه من الادعاء العام .

في حين وصف المحكمة الاتحادية المدعي العام عند تقديمه طعناً بعدم الدستورية بقضية اخرى بوصف "الطاعن" ((13)) ، ولم يشير حكم المحكمة الاتحادية الى القضية التي اثار اثناء نظرها أو بمناسبتها الادعاء العام طعنه بعدم الدستورية ، فضلاً عن عدم اشارته الى مدى تأثير طعنه بالدستورية في الدعاوى التي قد يكون أثار الطعن فيها ، ولا حتى آلية اتصال الطعن بعلم المحكمة الاتحادية ، بل أن الغريب أن حكم المحكمة الاتحادية قد نص على اسم نائب المدعي العام الذي اثار الطعن بالدستورية .

مجمل القول أن مطاعن المدعي العام بالدستورية أمر لا مناص منه لحماية سمو الدستور وعلوه بشتى الطرق وبمختلف المصادر ، ولكن توصيف الآليات وتحديد الآثار لتلك الآليات أمر لا مندوحة عنه عند تعديل النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا .                                                                          " انتهى الجزء الأول "

المصادر

((1)) المادة/39-ثالثا من دستور 2005 ، و المادة /4-ثانياً من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 المعدل ، والمادة/6 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية رقم 1 لسنة 2005 ، والمادة/6 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل .

((2)) أ.د. علي هادي عطية الهلالي . المباحث الموضحة لذاتية شرط المصلحة في تحريك الدعوى الدستورية ،المركز العربي ، القاهرة ، 2017 .

((3)) أ.د. علي الهلالي ، المصدر نفسه ، ص 177 وما بعدها .

((4)) كحكمها الدعوى 6/اتحادية/2010 في 6/اتحادية/2010 .

((5)) المادة/5- حادي عشر ، قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 .

((6)) كما توضحه المادة /4 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية بالرقم 1 لسنة 2005 .

((7)) المادة / 4 – سابعاً – 2-أ من قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 .

((8)) كما توضحه المادة /3 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية بالرقم 1 لسنة 2005 .

((9)) المادة/6 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية بالرقم 1 لسنة 2005 .

((10)) المادة/5 من قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 .

((11)) المادة 93 – ثالثاً من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 كون لفظ " وغيرهم" مطلقة .

((12)) حكم المحكمة الاتحادية في القضية 32/اتحادية – اعلام /2016 في 7/6/2016

((13)) حكم المحكمة الاتحادية في القضية 72/اتحادية/2021 في 20/10/2021 .

مواضيع ذات صلة