آخر الاخبار

shadow

دور المحكمة الاتحادية العليا في حماية الديمقراطية

د. وائل منذر البياتي / استاذ القانون الدستوري المساعد

     تتمتع المحكمة الاتحادية العليا بجميع الصفات والصلاحيات التي تليق بوصفها محكمة عليا وضامن للحفاظ على التجربة الديمقراطية في العراق، فهي تواجه الفعل السياسي اينما ظهر، من خلال مجمل ما منحها الدستور من صلاحيات في المادة (93) منه، حتى عند فرض رقابتها على دستورية القوانين والانظمة باعتبار انهما منتجاً للنشاط السياسي، فالتشريعات هي وليدة النقاشات التي تجريها الكتل السياسية داخل مجلس النواب، والانظمة هي قواعد عامة مجردة تضعها السلطة التنفيذية، وفقاً لما مرسوم لها بموجب الدستور وفي حدود القانون. وأن الفهم التعددي للديمقراطية يقبل وجود مجال لتدخل القضاء في عملية صنع القوانين بشكل عام من خلال ما يمارسه من رقابة، وهذا الامر يسري على الصلاحيات الدستورية الاخرى كتفسير الدستور، والمصادقة على نتائج الانتخابات البرلمانية، والرقابة على قرارات مجلس النواب عند البت بصحة عضوية اعضاءه، وحل التنازع بين المركز والاقليم او بينه وبين المحافظات غير المنتظمة في اقليم، او بين الوحدات الاتحادية داخل الدولة، والفصل في الاتهامات التي توجه الى اصحاب المناصب السيادية، فإنها (اي المحكمة الاتحادية العليا)عندما تفعل ذلك تواجه السياسة في كل خطوة تخطوها، الا ان هذا لا يعني ان الاحكام والقرارات التي تصدر عنها هي ذات طابع سياسي، ذلك ان القرار السياسي والقانوني امران مختلفان عندما يكون الامر متعلق بالمحكمة الاتحادية العليا، حيث يجب الانتباه وعدم الخلط بينهما .

       فالقرار السياسي لا يحتاج الى حجة وتسبيب قانوني، بقدر ما يعتمد على توفير التفسير الاجتماعي والسياسي، واحياناً قد لا يضطر العامل في السياسة الى تبرير معقولية او صحة قراراته من عدمها متى كانت مبررة وفقاً للقيم السائدة في ظل النظام السياسي .  بينما نجد ان المعيار الموضوعي الذي تعتمد عليه المحكمة الاتحادية العليا فيما تصدره من قرارات هو المنطق القانوني المستند الى الدستور والمبادي القانونية المقبولة، والراسخة في المنظومة القانونية للبلاد، لذلك لا تصاغ قراراتها الا وفقاً للقيم والمبادئ القانونية المتعارف عليها، وترتكز على الحجج الواردة في النص الدستوري وما تظهره من معانٍ، اذ يعتمد تفسير محتوى الدستور وعقيدته بشكل مباشر على البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية التي يعيش ويطبق فيها.

       وهذا المنهج واقصد المنطق القانوني الذي تعتمده المحكمة لن يكون بالضرورة متلائماً مع مزاج الفاعل السياسي، الذي قد لا يلتفت الى اهمية الحفاظ على التماسك المجتمعي عندما يدلو بآرائه وما يطرحه من تصورات، منطلقاً من الغاية التي يسعى للوصول اليها، والتي قد تعتريها الشعبوية في كثير من الاحيان، متناسياً ان القضاء الدستوري عندما يتصدى لعدم مشروعية ما تنتجه السياسة من قرارات لا يعني انه يعمد الى منع الديمقراطية بقدر ما يستهدف تعزيزها والحفاظ عليها.

       ففي التفسيرات التي اطلقتها المحكمة الاتحادية العليا سواء في اجاباتها على طلبات التفسير او من خلال ممارستها لصلاحياتها في الرقابة على الدستورية، مقارنة مع مختلف نماذج الديمقراطية، تظهر هذه القرارات ومنطقها تقاربًا متزايدًا مع ما موجود في التجارب المختلفة، فهي تحمل فلسفات وتفكير قانوني مماثل لما مطبق في تجارب راسخة في الديمقراطية، بما سيؤدي الى حماية التجربة الديمقراطية في العراق وتعزيزها، إن للمحكمة بصفتها حارسة الدستور، سلطة إعلان بطلان أي تشريع أو سياسة أو إجراء يتعارض في نظرها مع النصوص الدستورية، وتضمن هذه السلطة عدم إمكانية تجاوز حقوق ومصالح الشعب من قبل السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية، فلكل فرد عندما يعتقد أنه محروم من حقوقه كمواطن، الحق في اللجوء إلى المحكمة للوصول الى الانصاف قضائياً، وهنا استذكر دفاع الفيلسوف الامريكي جون هارت ايلي عن اهمية الرقابة على الدستورية التي تمارسها المحكمة العليا في امريكا وفائدتها للديمقراطية بشكل عام في الولايات المتحدة الأمريكية في كتابه (الديمقراطية وعدم الثقة: نظرية المراجعة القضائية) عندما اكد على وصف كيفية بقاء الممارسات السياسية في امريكا غير ديمقراطية في الفترة التي لم يكن فيها الفعل السياسي خاضعاً لرقابة القضاء على مدى انطباقه مع الدستور  .

      ختاماً لا بد من القول، إن الغاية من وجود المحكمة الاتحادية العليا هي ضمان الاستقرار والديمقراطية وتجنب تآكل هذه القيم عن طريق الانتهاكات للنصوص الدستورية او الخروج على ما ينطوي عليه الدستور من قيم ومثل وتنظيم لممارسة السلطة او توزيع للصلاحيات، وما تصدره من قرارات هي لا تعدو ان تكون فماً لما سطره الدستور من كلمات، فعلى العاملين في مجال السياسة التنبه الى ان الدستور اما ان يكون مجموعة من الاحكام الملزمة للجميع وعندها تتجلى الدولة القانونية الدستورية، او ان لا يكون للنصوص من اثر فعلي عندها لا يعدو الدستور ان يكون مجرد حبر وورق، ولا مجال للقول اننا امام مفهوم للدولة القانونية الحديثة  .

 

مواضيع ذات صلة